توصلت مجموعة الدول 5+1 إلى اتفاق مع إيران حول مشروعها النووي المثير للجدل، وأخذ هذا الخبر نصيب الأسد في وسائل الإعلام المرئي والمَقروء والمسموع، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي. فلا عجب في ذلك لأهميته. إذا أراد الإنسان أن يحلل موضوع ما فيجب عليه أن يخرج عقله من الصندوق، أي يتجرد قدر الإمكان من العاطفة، وأن يتخلص قدر الإمكان من المؤثرات الخارجية في التحليل. اعتمدت في تحليلي هذا على أمرين رئيسيين: الأول: أهمية النووي لإيران: صرفت إيران على برنامجها النووي مليارات الدولارات، فلا بد أنه بلغ أهمية قصوى بالنسبة لها، ولكن لماذا جهرت إيران بأبحاثها وتفاخرت بها؟ إذا كانت تريد الوصول لامتلاك السلاح النووي؟ خاصةً أنها تعلم أن العالم سيكون ضدها في ذلك، لماذا لم تستخدم إيران الطريقة الباكستانية في ذلك!؟ أسئلة تجعل الفكر يبحث في الغاية الإيرانية لفعلها ذلك! من أجل معرفة غاية إيران من وراء ذلك، يجب أن نعي الآتي، البعد الاستراتيجي لكل دولة يكمن في ثلاثة محاور متساوية؛ الموقع الجغرافي، اللغة والعقيدة. الآن دعونا نسأل، أين البعد الاستراتيجي لإيران؟ فَلَو أخذنا الموقع الجغرافي لوجدنا أنها محاطة بدول مهمة عالميا، أما اللغة فلا أحد يتكلم الفارسية إلا هي، أما العقيدة، فالواقع أن إيران استحدثت عقيدة خاصة بها وهي (ولاية الفقيه) وهي نقطة يختلف عليها الكثير من الشيعة! وهذه نقطة ضعف في تلك العقيدة بسبب عدم الإجماع عليها! من هذا المنطلق نجد أن إيران لديها إشكال في أبعادها الاستراتيجية، ولتوضيح الأمر، نأتي بمقارنة البعد الاستراتيجي لدول الخليج والسعودية ومصر، فنجد أن المحاور الثلاثة مجتمعة بهم (الموقع واللغة والعقيدة)، لذا نجد أن هذه الدول تكون بعدا استراتيجيا لبعضها البعض. لذا على إيران أن تجد على الأقل محورين لبعدها الاستراتيجي، وهذا ما كرست جهدها له في زعزعة الأمن لنشر نفوذها العقائدي لاستحالة نشر البعد اللغوي، وها نحن نرى نشر النفوذ العقائدي في العراق وسوريا ولبنان واليمن. ولكن ذلك كان ثقيلا على اقتصادها، والأهم من ذلك رفض المجتمع الدولي للتوسع الإيراني. فماذا عساها تفعل لتجد البعد الاستراتيجي؟ الحق يقال، لدى إيران جأش كبير في تحمل أعباء مخططاتها الاستراتيجية، وهي صفة تتفوق علينا بها. نهجت إيران نهجا غريبا ومكلفا وبعيد المدى في تبني استراتيجيتها النووية، ورأت أن هذه الاستراتيجية ستُحِل مشكلة العمق الاستراتيجي، وذلك في استخدام برنامجها النووي كوسيلة للمساومة في إطلاق يدها لنشر نفوذها العقائدي وعلى طريقتها الإرهابية، من قبل المجتمع الدولي، والذي يمثل العائق الرئيسي لمشروعها النووي. كان مخططها يهدف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول البعد الاستراتيجي، والثاني امتلاك المعرفة النووية العملية، التي ستبقى في جعبتها مستقبلاً. الأمر الثاني: موقف أميركا وعلى رأسها رئيسها حيث سعت الإدارة الأميركية بكل طاقتها لتتوصل إلى حل سلمي بعيدا عن استخدام القوة، في التوصل لإيقاف البرنامج النووي الإيراني، وقد تبنى الرئيس الأميركي ذلك مع وجود معارضة قوية من قبل الجمهوريين، وها نحن نرى التوصل للاتفاقية بين إيران ودول 5+1 ولم يبق غير التوقيع على ذلك. يبقى السؤال الأهم، ماذا عسانا فاعلين؟ أرى أن موقف السعودية بالنسبة لهذا الاتفاق، جيد، حين رأت أنها مع أي اتفاق يمنع إيران من الحصول على سلاح نووي، وفي نفس الوقت وجوب تبني إيقاف إيران من نشر نفوذها المبني على الإرهاب والمدمر لمنطقتنا العربية من قبل المجتمع الدولي. موقف المملكة ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد. - منع إيران من امتلاك السلاح النووي، على الأقل لعشرة أعوام، ووقوف المجتمع الدولي في وجه النفوذ الإيراني. - حق السعودية في بناء طاقتها النووية مع التخصيب، حسب ما هو مسموح لإيران، ولتكون جاهزة إذا أخلت إيران بالاتفاقية. - معرفتها أن رفضها للاتفاقية كما فعلت إسرائيل، معناه الوقوف ضد ما تبناه الرئيس الأميركي، وهذا بحد ذاته مضر بمصالح السعودية، خاصة في برامج تسليح القوات المسلحة السعودية.