كما كانت بدايته في القرن الماضي من امتزاج مياه البحر باليابسة، أضحى حي العنود في الدمام عنوانا لامتزاج وتلاحم وطني مستمر بين أبناء المملكة على اختلاف مشاربهم، وكأنه منح السكان من جيناته وجبلته المليئة بالحب والحياة، ولذا لم يكن للتفجير الإرهابي الذي حدث أول من أمس أي تأثير على قافلة اللحمة الوطنية الراسخة في أذهان الجميع كقيمة ومضمون يلقى التقدير لثباته في مختلف الظروف والأحداث. وهكذا قدّر أن يكون حي العنود أيقونة للتواد الوطني في أبهى صوره المعبرة بين السكان الذين لا يحكم علاقاتهم المباشرة إلا الاعتبارات الإنسانية الحقيقية، بعيدا عن أي معادلات طائفية أو طبقية أو ما شابه ذلك، في شكل يتكرر في كل حي في جنبات مملكتنا التي تتدثر بدثار الوحدة. ويرى أبوحسن الرجل الخمسيني الذي يسكن حي العنود من نحو العقد، أن طبيعة العلاقة بين الناس في حي العنود أكبر من أن يدرك كنهها أصحاب العقول المريضة، حيث الوشائج بين الجيران لا تزيدها السنون إلا ترابطا، ثم يضيف في تصريحه إلى "الوطن": نحن هنا نحب الحياة بكل بساطتها، وليس لدينا أحكام مسبقة على الآخرين، من يسكن في الحي فهو أخ لنا وهذا أمر يتفق عليه الجميع هنا، لا انفجار ولا تفخيخ يمكن أن يغيرا من قناعتنا لأنها صحيحة وما سواها من العبث فهو باطل". ويضيف أبوحسن فيما يمسح عن جبينه العرق المتصبب على أطراف وجهه، قائلا: "هنا قريبا في هذا الشارع يسكن جاري أبومحمد، الذي سبقني في الحي، ولا يمكن لك أن تتخيل أي علاقة تربطنا مع بعضنا البعض، رغم أننا من منطقتين متباعدتين جغرافيا، فهو أصلا من الرياض، فيما أنا من الأحساء، إلا أن من يرانا يظن أننا أقارب وأكثر، ولا شيء من ذلك، فكل ما هنالك هو العشرة والجيرة الحسنة". وختم أبوحسن حديثه قائلا: "متأكد أن من فعل هذا العمل الإجرامي لا يريد الخير لجميع طوائف المجتمع السعودي، وليس لفئة معينة، والقضية تتعلق بأمن مملكتنا ومقدراتنا، وسنفعل دائما ما نجيد فعله، وهو العيش بطبيعتنا، وحب الآخرين وهو أبلغ رد على هؤلاء المخربين والعابثين".