كشف الكاتب الناقد السينمائي السعودي طارق الخواجي عن تعطل مشروع تحويل أعمال الكاتبة الروائية السعودية رجاء عالم "الفائزة بجائزة البوكر العربية مناصفة 2011" إلى أفلام سينمائية، بسبب انعدام التمويل. وقال خواجي ل"الوطن" متحسرا "جلست مع رجاء مرات عدة وتفاهمنا، خاصة أن نصوصها تتميز بالعمق إلى حد الاستغلاق، ما يستوجب رؤية سينمائية تقارب هذا الاستغلاق، وأعددت نصا كاملا وسيناريو للفيلم، وسعى مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام أحمد الملا للبحث عن ممول، وتمكن من الحصول على دعم ب100 ألف ريال، ولكن هذا المبلغ متواضع جدا لإنتاج فيلم حقيقي فتوقف المشروع وأغلقت على النص أدراجي". وكانت ورشة إبداعية استعادت جدل "الرواية والسينما" وحجم العلاقة والمسافة الفاصلة بين الفنين الكتابي والبصري، وشدد الخواجي الذي عاد أول من أمس من الكويت عقب إنهائه الورشة، على أن "كثيرا من الكتب السيئة تصنع أفلاما رائعة، كما أن كثيرا من الكتب الرائعة تصنع أفلاما سيئة". وتطرق الخواجي خلال ورشة عمل بعنوان "السينما والرواية"، نظمها مشروع تكوين للكتابة الإبداعية برعاية وزارة الدولة لشؤون الشباب في الكويت لنماذج ناجحة لأفلام مقتبسة من نصوص روائية، مثل "العطر" و"حياة باي" و"موبي ديك" وغيرها. كما فصّل الخواجي في هوية كل من المجالين وما يحتويان من نقاط التقاء أو اختلاف وما قد يحفز تحويل العمل أو يصعب ذلك، وشرح العلاقة الملتبسة بين عالمي السينما والرواية، ففي حين يتعامل أمبرتو إيكو بأريحية كاملة مع الأفلام المحوّلة من رواياته بصفتها "عمل شخص آخر"، يعتقد ستيفن كينج أن الفيلم الذي لا يشبه روايته هو إساءة لنصّه. الورشة التي استمرت يومين تضمن يومها الأول حديثا نظريا عن العلاقة بين الرواية والسينما تاريخيا والتطرق بالحديث عن السينمائيين الذين اهتموا بالاستفادة من الرواية، وعن أشهر الروائيين الذين حُوّلت أعمالهم إلى السينما. وفي الجانب الآخر، ناقشت حضور السينما داخل النص الروائي وكانت من أهمّ النماذج المطروحة رواية "راوية الأفلام" ل"إيرنان ريبيرا لتيلير". اليوم الثاني شهد تطبيقا عمليا لكل المشتركين في الورشة لتحويل مقطعٍ من نص روائي إلى مشهد سينمائي، وشهد تحويل قصّة قصيرة لأنطوان تشيخوف بعنوان "موت موظف حكومي" إلى مشاهد عدة سينمائية درامية وكوميدية، كما تم عرض وتحليل فيلم "العطسة" للمخرج الكويتي مقداد الكوت المستوحى من نفس القصّة. وفي الجلسة الحوارية مع الخواجي عن القراءة بعنوان "بين السطور، وبعد الصفحة الأخيرة"، التي أعقبت الورشة تحدث خواجي عن رحلته مع القراءة وأهمية دور القارئ، مؤكدا أن "كل الطرق تؤدي إلى المكتبة" وأن "المكتبة هي أفضل تجسيد للسيرة الذاتية للإنسان"، وقال "سألت نفسي كثيرا، ما الذي يدفع الراحل بورخيس، أو المعاصر علي بدر، أو ما الذي يدفع فرناندو بيسوا، ومن بعده ساراماجو، إلى كسر الحاجز بين الواقع والمتخيل، الجرأة على توثيق الخرافة، أو صبغ الحكاية المخترعة بالحقيقة المطلقة، الإحالة إلى مراجع وهمية، بل والرواية في هامش عن مُقا القديمة، من خلال معلومة منحولة عن الإمام القزويني أو ياقوت الحموي. سألت نفسي كثيرا. وكان الجواب أن ما يدفع كل أولئك لفعل ذلك هو: أنا. أنا القارئ مجردا من كل ما يتعلق بي حتى اسمي، وأنتم دون أي تصنيف. وهكذا ارتكبت كقارئ أُولى الحماقات التي لم أتوقف عن فعلها حتى هذه اللحظة، في اعتباري مصدر السلطة الأول للكاتب الذي يجد نفسه دوما مجبرا على الاعتناء بي". خواجي أضاف ل"الوطن" أنه ناقش مع أعضاء الورشة الذين وصفهم بأنهم شبان رائعون، تجربتي نجيب محفوظ وماركيز مع السينما بوصفهما فائزين بنوبل، إضافة إلى تجربتي الفلسطيني غسان كنفاني في عمله "عائد إلى حيفا"، والمصري إحسان عبدالقدوس، لافتا إلى أن شبان الورشة، أشاروا إلى مناسبة وإمكانية تحويل عمل الكويتي سعود السنعوسي "ساق البامبو" الفائز بجائزة البوكر 2013 إلى عمل سينمائي، وأنهم سيشتغلون على ذلك مستقبلا. خواجي أكد ل"الوطن" نجاح تجربة نقل محفوظ سينمائيا مستشهدا بكاتبة السيناريو المكسيكية باث إليثيا جارثيا دييجو التي حولت روايته "بداية ونهاية" إلى فيلم أخرجه زوجها ريبتسين، ونال عنه جائزة أفضل فيلم في "مهرجان سان سباستيان السينمائي" والجائزة الذهبية وجائزة النقاد الدولية في "مهرجان المكسيك السينمائي" في عام 1994. كما أن ماركيز بعد حصوله على نوبل عام 1982، عرض عليه المخرج الإيطالي فرانشيسكو روزي تحويل روايته "قصة موت معلن" إلى السينما، وبالفعل أُنجز الفيلم وعُرِض عام 1987 في "مهرجان موسكو السينمائي الدولي"، حيث اعتبر واحدا من أفضل الأعمال التي اقتبست عن أعماله الأدبية. وتابع خواجي "ما جمع بين ماركيز ومحفوظ، هو فوز كل منهما بجائزة نوبل للآداب وانتمائهما لبلدان العالم الثالث، إضافة إلى تمتعهما بحس الفكاهة، والاثنان عملا لفترة في كتابة سيناريوهات سينمائية، ولعل هذا ما سهل للمخرج المكسيكي ارتورو ربشتاين، تحويل رواية "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" إلى فيلم، ونقله أحداث رواية محفوظ "بداية ونهاية" إلى المكسيك، وتحويلها إلى فيلم أدهش محفوظ نفسه.