أرجع بذاكرتي إلى كل ما أعرفه من أفلام عربية، كان لنجيب محفوظ دخل فيها، أكتشف غريبا: كتب سيناريوهات أفلام ب»الهَبَل»، وتم تحويل كثير -قل معظم- رواياته إلى أفلام سينمائية، وبعض المسلسلات التليفزيونية، لكنه لم يكتب سيناريو فيلم واحد مأخوذ من رواية له شخصيا، وقد عُرِف بأنه كاتب سيناريو غزير، دون أن يشهد له عمل من أعماله بأنه كاتب سيناريو قدير، كان يعرف ما سوف تجرّه السينما على الرواية من تدمير و«تزمير»، وأظنه لم ينظر يوما إلى كتابة السيناريو نظرة ذات اعتبار حقيقي، تعامل معها على أنها لقمة عيش، كان نجيب محفوظ يحيا في الرواية التي يكرم نفسه عن ذبحها بيده، ويعيش من راتب الحكومة، ومن سيناريوهات أفلام يلطخ يده بدم رواياتها، مقتربا في منهجه من شعار «حلال عمّك ما يهمّك»!، لو أنه كسب جائزة نوبل في سن مبكرة، ما ظننته كتب سيناريو أبدا. أمر آخر يخص نجيب محفوظ : كاتب مسرحي لا يشق له غبار ولا حوار، مسرحياته المطبوعة على قِصَر حجمها، تتقافز على نحو عجيب بشخصياتها خفيفة الروح ثقيلة الأفكار، ليس فيها من السالب إلا قدرتها على سلب الألباب، هل ظلمناه كمسرحي شديد الفرادة، لننصفه روائيا أصيلا، أحسبنا فعلنا ذلك، مثلما ظلمنا أدونيس شاعرا فذّا، ظنا منا أن في ذلك إكرام وإعلاء شأن له كناقد كبير، وأخيرا: ليس عندي من شك في أن رواية نجيب محفوظ «حكايات من حارتنا»، واحدة من أجمل وأروع وألطف وأرق ما قدّم لنا، تحفة فنية أهم وأحسن بكثير من « أولاد حارتنا «، الرواية الأشهر والأكثر إثارة للجدل: آفة حارتنا النكران أيضا، ليس النسيان فحسب!