كان ختام ندوات تاريخ الملك فهد بن عبدالعزيز مسكا، إذ جمعت الجلسة الأخيرة التي ترأسها الأمير سعود بن فهد بن عبدالعزيز، متحدثين مخضرمين تولوا مناصب قيادية خلال حكم الملك فهد، تحدثوا عن ذكريات كثيرة مع الراحل تبين حكمته وحنكته وحزمه وإنسانيته، واستعرضوا شواهد تاريخية عن أبرز إنجازاته. وبدأ الأمير سعود بن فهد الجلسة بشكر دارة الملك عبدالعزيز على التعاون المثمر والبناء، والباحثين المشاركين الذين ستكون بحوثهم مصدرا لمركز معلومات مؤسسة الملك فهد الخيرية. وقال: "إن من دواعي سرورنا هذه الليلة أن نتحدث عن قائد قوي مؤمن، هو مصدر الإلهام لنا ولأبنائنا في المستقبل". وتحدث وزير الحج الأسبق الدكتور فؤاد فارسي عن الدور المحوري للمملكة في عهد الملك فهد والنجاحات الكبيرة التي حققتها في معالجة المشكلات العربية مثل إنجاز اتفاق الطائف بين الفرقاء اللبنانيين، وتحرير الكويت، والوساطة الناجحة في حل الخلافات العربية، مشيرا إلى أن كل ذلك تزامن مع نهضة شاملة على الصعيد المحلي في جميع المجالات. وأشار إلى أنه بعد تحرير الكويت زار وفد شعبي ورسمي من الكويت الملك فهد في الرياض لشكره على دوره البطولي في التحرير، فأخبرهم الملك فهد أنه تلقى معلومة بعد احتلال الكويت بأيام قليلة من الرئيس العراقي السابق صدام حسين يؤكد فيها أنه سيحتفظ بالكويت، وأن بإمكان السعودية الاستيلاء على دول الخليج الأخرى، وستدعمها العراق في ذلك، لكن الملك فهد رفض ذلك رفضا قاطعا، وقال: "كيف يكون ذلك والخليج كلهم إخواننا والذي يصير عليهم يصير علينا"، ثم كان القرار الصائب بتحرير الكويت من العدوان. ولفت فارسي إلى أنه عندما تولى مسؤولية وزارة الإعلام اتصل به الملك فهد وسأله هل أحد من أهلك إلى جانبك؟ فأجابه الوزير: "لا..."، وتابع فارسي: "تلقيت عندها لفت نظر شديد من الملك فهد حيث أبت أخلاقه وإنسانيته الرفيعة أن يعرضني لأي نوع من المهانة أمام أهلي وأولادي، ثم اتصل الملك فهد بي ليلا، وقال لي اتصلت بك لأنني أدرك أنه بعد المكالمة الأولى لن تستطيع الخلود للراحة هذه الليلة، ولأقول لك لا تعيدها وارتاح انتهى الموضوع". وكشف فارسي عن إعداده كتابا عن الملك فهد باللغة بالإنجليزية، لتطلع الشعوب الأخرى على سيرته هذا القائد الكبير. ثم تحدث رئيس مجلس أمناء المعهد العربي لإنماء المدن، أمين الرياض سابقا عبدالله النعيم، عن ذكرياته مع الملك فهد، مشيرا إلى أنه لا يزال يتذكر حتى هذه اللحظة كل تفاصيل لقائه بالراحل عندما تم تعيينه أمينا للرياض: "عندما عينت في هذا المنصب، استقبلني الملك فهد وقال لي مبتسما: ورّطوك؟ لكنه لم يلبث أن طمأنني وقال: لا تقلق إحنا معك على طول". وأضاف أن الملك فهد كان حريصا جدا على إنجاز الأعمال بدقة وسرعة، وقال: "من المواقف التي أذكرها أن قمة كانت ستعقد في عمّان فأخبرت الملك فهد أن السير في شوارع المدينة صعب بسبب الثلوج، فسألني: ماذا تريد: فقلت نريد معالجة هذا الوضع فقال الله يرحمه: خذ عشرة ملايين، فقلت: دولار؟ فقال: دولار، وذهبت بالمبلغ وأوصلته لهم". وسرد النعيم قصصا كثيرة حدثت له مع الملك فهد (رحمه الله)، اتسمت بعفوية الطرح وصدقه، ولقيت تفاعلا كبيرا من حضور الجلسة، كما أنه روى قصة إصراره على تغيير المكان الذي كانت ستنشأ فيه جامعة الإمام محمد بن سعود، وذلك لملاصقتها جامعة الملك سعود وما سيترتب عليه من مشكلات طلابية ومرورية، وهو التغيير الذي أدخله في معركة مع مدير الجامعة آنذاك عبدالله التركي الذي اعتبر هذا القرار تعطيلا لمشروع بناء الجامعة الذي كان قد بدأ فعلا، وعلق النعيم على ذلك، بقوله: "حصلت جامعة الإمام على موقع مميز جدا (موقعها الحالي)، وهو ما أدى بمديرها في ذلك الوقت إلى شكري بعد أن كان يسبني (قالها ضاحكا)". وتبع ذلك، حديث وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح آل الشيخ، عن جهود الملك فهد في التنمية وخدمة الإسلام والمسلمين. وقال "إن تاريخ الملك فهد يستحق من جميع المواطنين الذين عاصروا هذا العهد الاحتفاء، حيث قاد البلاد بتوازن فذ خلال فترة طويلة جمع فيها معادلة صعبة تمثلت ما بين المحافظة على الأصول والعقيدة، والتطوير واللحاق بالأمم المتقدمة والانفتاح بما لا يتعارض مع المبادئ والقيم الإسلامية". وذكر أن مسار الملك الراحل في حياته أن يكون هناك توازن، مستشهدا على هذا التوازن بمقولة سمعها من الأمير سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي لخص حياة الملك الراحل في ثلاث نقاط (توسعة الحرمين وطباعة المصحف وتحديث الأنظمة)، لافتا إلى أن توسعة الحرمين الشريفين في عهد الملك فهد كانت عظيمة ومؤثرة، ملمحا إلى أن التوسعة لم تقتصر على زيادة المساحات وغيرها من تسهيلات وإنما في أهمية ربط المسلمين بهذه المقدسات حين أصبح الوصول للحرمين سهلا ومتاحا وهذا بشهادة علماء دينيين ومفكرين قالوها في ذلك الوقت. وأكد آل الشيخ حرص الملك الراحل على احترام التخصصات والأنظمة الشرعية، حيث يرى أن رسالة المملكة إسلامية بالدرجة الأولى، وكان همه أن توجد الأنشطة الإسلامية في كل مكان من العالم، إضافة إلى حرصه على رأب الصدع بين المسلمين في شتى أنحاء العالم. وقال "كان يوم الاثنين الذي تنعقد فيه جلسة مجلس الوزراء من أصعب الأيام على جميع الوزراء بالنظر إلى حرصه على المناقشة والمحاسبة، وكان حريصا على أن يكون العلاج بأقل قدر من العقوبة".