أدى غياب العلم إلى سيادة الجهل في الماضي، الذي كان بدوره أن صاغ ب"حرفنة" بعض الممارسات والمعتقدات وأدرجها بناصية تحت مسمى العادات والتقاليد كسلوك بيئي شكله البشر ليتماشى مع أوضاعهم وأفكارهم، ومع اختلاف الحقب الزمنية كان يفترض أن تتماشى تلك الممارسات مع المتغيرات، إلا أنها أصبحت تتوارث كرمزية وهوية يحرم تجاوزها، ولا يهم إن كانت صحيحة أم خاطئة لتتحول إلى ممارسات دينية آمن الكثير بها. وبرغم نشاط الحركة التعليمية وانتشار العلم ما زالت وسطية ديننا الحنيف تعاني من تلك المعتقدات التي خلفت نهجا متشددا وإقصاء لكل بوادر التصحيح وإحياء شيء من الجهل، فعندما تصبح العادات والتقاليد جزءا من ديننا نحاسب على تجاوزها ونعتقد أن الله سيعاقبنا على ذلك الذنب، لأنها خطيئة لا تغتفر في عرف القبيلة والمجتمع، هنا علينا أن ندرك حجم الخطأ الذي نرتكبه بحق الدين أولا الذي أتى بسماحته وعدالته، وبحق إنسانيتنا ثانيا التي تمس كرامتها بطقوس هي الأخرى من صنيعة البشر قابلة للصواب في بعضها والخطأ في كثيرها. وعلى سبيل المثال استغرب ممن يتجاهلون بعضا من العادات التي تمنع كشف المرأة وجهها لزوجها بحجة "المنقود" الذي يصل لدرجة تحريم ما أحله الله! بينما يحتدم خلافهم في مسائل كشف الوجه، ولم نجد منهم ناصحا ولا واعظا لتبيين إثم هذه العادات. لست هنا لأطمس جميع العادات والتقاليد وإنما أرى تقنينها وأخذ ما يناسب منها وإلغاء ما يشكل عبئا وخللا في التركيبة الاجتماعية، وأن تتشكل المبادئ لدينا من معطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل مع الحفاظ على الهوية الحقيقة والجوهرية، المحافظة على أسس معتدلة قابلة للاندماج والتفاعل في محيط المكون الاجتماعي بكل متغيراته بعيدا عن الإقصاء، فديننا قد منحنا مساحات شاسعة للتمعن في وسطيته والابتعاد عن توظيفه لنهج وفكر متشدد، والحراك التنويري في فكر وثقافة المجتمع هو تجسيد للوعي في المجتمع وبوادر تصحيح للمسار الديني وفق نهج معتدل وسطي.