يؤكد علماء الاجتماع على أن التحولات الاجتماعية المفاجئة في حياة الشعوب تعد ولادات مشوهة وغير طبيعية؛ إذا لم ترافقها وتتزامن معها تحولات طبيعية في البنى الاقتصادية والثقافية والسياسية، كما أكدوا على أن جميع أشكال الصراع تنعكس سلباً على مسيرة تلك التحولات، وتظهر بصور دراماتيكية إلى فوضى استغلال وانحدار خطير في مجموعة القيم والسلوك والقوانين الضابطة لحركة المجتمع، مشيرين إلى أهمية البناء التحتي وعدم المغامرة والقفز وحرق المراحل للانتقال إلى مراحل المعرفة وتداعياتها. المطلوب اعتدال «الرؤية والتطبيق» لتجاوز مظاهر الخوف وعزلة الفكر الواحد ويؤكد علماء النفس الاجتماعي على ضرورة حضور نظرية الضبط الاجتماعي التي تحاول مجابهة عدم تمكين المجتمع بقبول أي تغيير غير مرغوب فيه، ويتم بموجبها توجيه سلوك الأفراد، بحيث لا ينحرفون عن معايير الجماعة، وتحقيق التوازن الاجتماعي وتوجيه الدور الفاعل للسلطة في تحجيم العنف الاجتماعي، من خلال فرض القانون والتوعية؛ بمعنى تعزيز دور الجماعة في تغيير سلوك الأفراد المنحرفين. «الرياض» ترصد في هذا التحقيق مظاهر نزع وطن «عبدالله بن عبدالعزيز» لغطاء التقليدية والجمود، والتوجه نحو التغيير للأفضل، متمسكاً بثوابته، ومحلقاً نحو فضاء الانفتاح المسؤول، والوعي بحضوره أمام الآخر، بما يليق بمكانة منجزاته، وتميز قائده التنويري. خطط التغيير يرى «د.مضواح المضواح» مديرالإصلاح والتأهيل بسجون عسير أن هناك مؤشرات قوية على أن التغير الاجتماعي بنوعيه (الكمي والكيفي) ظل زمناً طويلاً يتسم بالتلقائية والبطء، فالتراث الثقافي يدل بوضوح على أن الإنسان كان يعيش يومه كيفما اتفق دون أن يتطلع كثيراً إلى المستقبل، ولا يحاول الأبناء تغيير ما ورثوه عن الأجداد، ومن هنا فإن أولى التغيرات قد جاءت دون مساهمة اجتماعية تقصد إحداثها على وجه التحديد، أما اليوم فإن التغير الاجتماعي في المجتمعات الواعية يتسم بالتخطيط والغائية والسرعة، عبر سياسات تنموية تتضمن استراتيجيات لدعم عوامل التغير الاجتماعي. وقال:»على الرغم من أن التغيرالاجتماعي بات من أهم مطالب الحياة المعاصرة، إلاّ أن هناك من يستغلون العوائق الطبيعية، بل ويخلقون عوائق مصطنعة أمام التغيير، لأن مصلحتهم ارتبطت بتخلف المجتمع، بالإضافة إلى فئات اجتماعية تقليدية لا تتقبل التغير الاجتماعي؛ لأن عقول الناس فيها شديدة النفور من أي معالجة عقلية لمشكلات المجتمع، ويقل فيها اجتهاد الفرد في بناء معرفة متطورة بسبب وجود أحكام مسبقة ومعارف تراثية جاهزة تجعل معرفة الفرد مسخاً مشوهاً عن معرفة جده وأبيه، ويتغذى هذا المسخ على «الميتافيزيقيا» والخرافات في المعرفة الشعبية البالية، وكل ذلك يحدث جموداً في حركة نظم وأنساق البناء الاجتماعي الأمر الذي يولد بالتالي مشكلات تعيق المجتمع عن التغير الإيجابي، وتكبل العقول الخلاقة عن تهذيب المعايير الموروثة التي وجدت أصلاً لحل مشاكل الماضي التي لم تعد موجودة بالصورة التي وجدت عليها في حياة الأجداد». المناهضون الجدد وأضاف «د.المضواح» ان أمام هذا التقاطع بين القديم البالي الذي يتمسك به بعض الأفراد، وبين التغير الذي يتماشى مع تطلعات الأجيال نحو حياة أفضل تحدث فجوة كبيرة لا بد فيها من مشكلات، ولابد لها من تضحيات، فالمناهضون الجدد للتغير الاجتماعي يضخِّمون سلبياته وعيوبه حتى يصرفوا الناس عن تبني مظاهره، وكل ذلك دفاعاً عن مصالحهم، بينما يركز المتقبلون للتغير والفاعلون فيه عقولهم على إيجابياته وفوائده للمجتمع، وهذا التناقض الشديد يعرقل المجتمع عن النهوض من رماديته، ولكن إذا ما تبنى المجتمع التغير فسيصبح المناهضون ضحايا جهلهم وأنانيتهم وجشعهم، بعد أن يكون المجتمع قد تغير ولم ينتظرهم، ويصبح المتقبلون رموزاً تمجدهم الأجيال لكونهم تعرضوا للنقد الاجتماعي والتجريح والتشكيك وتشويه السمعة وربما العزلة الاجتماعية، ولم يتنازلوا عن التمسك بسنة الله في خلقه (التغيير) ولم يتوانوا عن تقديم كياناتهم البدنية والنفسية والاجتماعية فداء للتغير وخدمة للمجتمع. شبان آمنوا بالتغيير يشاركون تطوعاً في تقديم المساعدات للمحتاجين الأسرة أساس التغيير وقال «د.عبد الواحد سلمان» -أستاذ علم الاجتماع في كلية الآداب جامعة تبوك- لقد شاهدنا تحولات اجتماعية أعطي للأسرة فيها دور بارز؛ باعتبارها المكان الذي تبدأ فيه أسس التربية، ومن ثم فهم حراك المجتمع الذي توسعت خياراته وأصبح يؤمن بنهج حديث يؤسس لانطلاقة تؤمن بالتحول والحوار وحل المعضلات الاجتماعية بعيداً عن التعصب والتشنج وتهميش الآخر، وهذا يعني ببساطة أن القائمين على البناء قد وضعوا في حساباتهم مسألة توعية الإنسان وتثقيفه وتعزيز دوره في التحوّل؛ بمعنى تأهيل المجتمع وتمكينه من القيام بدوره وتحمل مسؤولياته، وذلك لسبب بسيط يوضح مدى ذكاء القائمين في ذلك البلد وهو أن البناء الثقافي والاجتماعي لا يمكن تحقيقه بنفس المسافة والجهد والقدرة في تحقيق التحولات الاقتصادية والسياسية، لذا تم التركيز على ضرورة إيجاد قاعدة مسبقة تتمتع بالوعي والأداء لغرض التحوّل. ويشترط «د.عبد الواحد» وجود خطط خاصة بالتنمية البشرية تأخذ بعين الاعتبار مجموعة القوانين الحياتية السائدة ومتطلبات التحول، دون اللجوء للاتصال ورد الفعل وحرق المراحل؛ لأن التحول الاجتماعي في ظل الديموقراطية بحاجة الى مجموعة قواعد وأسس مهمة للبناء الخدمي والصحي والزراعي والصناعي ودراسة تحليلية ودقيقة للقدرات المصاحبة، من خلال تهيئة علمية شاملة لأدوات العمل وهي الأجيال المقبلة التي ستكون عماد المجتمع. ثوابت ومتغيرات ويشير «د.محمد عثمان المحيسي» -أستاذ مساعد في علم النفس التربوي بجامعة الملك خالد- إلى أن التغيير كلمة جميلة تحمل عدة معانٍ ومترادفات، منها ما يمكن قبوله لدى مجتمعاتنا أو عدم قبوله. وقال:» في إطارالحداثة القائمة على مترادفات التغيير رغم الاختلاف بينهما ولكنها -أي الحداثة- أصبحت سلماً يرتقي به المحدثون نحو التغيير لما يرونه في ثقافة المجتمعات الأخرى؛ ولذلك ينبهرون بكل ما هو جديد فيها ويتأسون بالقائمين على أمرها محاكاةً وتقليداً، وقد يطال ذلك المأكل والمشرب والملبس دون التقيد بالأعراف والتقاليد والمعتقدات، مما ينعكس سلباً على مدى الاستفادة مما يمكن أن يستفاد منه دون تقويض للموروثات والمعتقدات، ومماهو متعارف عليه في موروثاتنا، ومماهو معروفٌ تربوياً أن ما صلُح لأجدادنا لا يمكن أن يصلح لأبنائنا، خاصة في الأساليب التربوية؛ لذلك يقع كثير من الآباء عندما يحاول خطأً أن يطبق نفس البرنامج الذي مورس عليه في التربية من أبيه ويعتبره الأمثل والأفضل ونسي البعض أو تناسوا الأثر القائل:(علموا أولادكم لزمانٍ غير زمانكم). وأضاف: إن التغيير مطلوب دون المساس بالأصول (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، وهو مطلوب في حدود الممكن تماشياً مع روح العصر ودون المساس بتقاليد الماضي الأصيلة، أو ترك ما هو موجود أو الانسلاخ كلياً مما هو مطلوب، ولكن مانراه في كثير من مجتمعاتنا وخاصة عند شبابنا أصبح الأصل عندهم ماهو قائم من تجديد وحداثة والتمسك به باعتباره المطلب الأساس، وترك كل ماهو تقليدي أو ما يجره هذا القديم التليد من نكوص إلى الوراء أو وصفه بالرجعية والتخلف وضرورة التمسك بسبل الحضارة والثقافة، حتى أصبحنا معلقين بين الثرى والثريا وأصبحنا (كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)، فرأيت في بعض شبابنا في إطار هذه المجاراة أنهم قد جربوا كل أدوات الغزو الثقافي والحضاري والتكنولوجي وأصبح التنافس فيه وحوله وتعداه إلى أمور أخرى!. عالم يتغير كل يوم ويرى «د.محمد فتحي» -أستاذ علم اجتماع التربية المشارك بكلية التربية في جامعة نجران- أن التغير سمة من سمات الحياة، وسنة من سنن الله في كونه وخلقه، وإحدى الحقائق الأساسية في حياتنا المعاصرة، وتتزايد وتيرته بسرعة كبيرة، وبلغت مبلغاً نستطيع أن نقول معه ان الإنسان المعاصر يصبح كل يوم ليجد نفسه أمام عالم غير الذي نام عنه بالأمس، وهو مطالب بأن يتكيف مع هذه التغيرات، وأن يرتب حياته كل يوم على أساس العالم الجديد الذي تمر معالمه وظواهره مر البرق الخاطف، والذين لا يستطيعون التكيف والتفاعل مع التغيرات الحادثة يعرضون أنفسهم لمخاطر الفشل والتخلف والانكماش. وقال: إن التغير يكون سريعاً في المجتمعات صاحبة «الثقافة الديناميكية» المفتوحة، ويكون بطيئاً في المجتمعات صاحبة «الثقافة الجامدة»، فالثقافة الديناميكية يزداد فيها معدل الاختراع والاكتشاف، ومرونة العادات والتقاليد؛ أي أنها الثقافة التي يتمتع فيها الفرد بحرية الرأي والتفكير والتعبير، وهي بلا شك ثقافة نامية تنظر إلى المستقبل على أنه أفضل من الحاضر فتضع له الخطط وتحدد الأهداف والوسائل اللازمة، وهي ثقافة تفتح نوافذها على الثقافات الأخرى لتتأثر بها وتؤثر فيها فتأخذ منها وتعطيها، وعلى النقيض من ذلك «الثقافة الجامدة»، حيث تتركز آمال الإنسان حول الزواج وإنجاب الأطفال،وقدر جيد من الطعام،وقواعد السلوك جامدة لا تسمح بإطلاق قوى الإنسان وإبداعاته،في هذه الثقافة الراكدة يقل التجريب والاختراع أو ينعدم. رؤية معتدلة للحياة وأضاف:»لا يمكن العودة للوراء، وذلك لأسباب من أهمها: الزخم الإعلامي الذي يهاجمنا في عقر دورنا، والتقارب الشديد بين أنحاء العالم بفضل الثورة العلمية والتكنولوجية والاتصالاتية، حتى أصبحنا وكأننا نعيش في قرية صغيرة، كما أن هذا العصر الحديث بما يحمله من قيم التقدم جدير بأن نحياه ولكن ذلك يحتاج إلى بناء رؤية فكرية دافعة للتقدم والتغيير تنطلق من منهج الاعتدال والوسطية في مجتمع يؤمن بالديموقراطية والشورى، وتكوين الإنسان الموسوعي ذي الاهتمامات المتعددة، والمواءمة بين الأصالة والمعاصرة؛ بمعنى الأخذ بالأصول والقواعد المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف، وفي هذا فنحن لا ننطلق من رؤية متعصبة أومتحيزة، وإنما من مصدر إلهي يعلو على كل اجتهادات وعقول البشر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مع عدم رفض الجديد بدعوى أنه منتج غربي فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، بل يجب أن نبني في نفوس أبنائنا القدرة على الفرز والانتقاء والأخذ بالنافع المفيد ورفض الضار الذي يتعارض مع قيم وعقيدة مجتمعنا المسلم. مبتعثات بجامعة شيفلد في بريطانيا يشاركن في ملتقى علمي