من الصعوبة بمكان أن تجتمع الموضوعية والذاتية في مقولة تصف إنسانا! بين موضوعية تعتمد على العقل بنسبة كبيرة، وذاتية تعتمد على الشعور بنسبة أكبر. عندما يفقد الإنسان إنسانا له مكانة عظيمة في نفسه، تتفجر براكين الشعور في نفسه، ولكنه يقف إجلالا لموضوعيته، وصاغرا لذاتيته. عندما انتقلت نفس عبدالله بن عبدالعزيز إلى بارئها، في أول ساعة من صباح يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر يناير عام ألفين وخمسة عشر، أحسست بأنني فقدت شيئا من كياني المبحر في بحر متلاطمة أمواجه بأحداث العالم من حولنا. أين ذاك العقل العامر كالبنيان الشاهق؟ أين تلك المحبة من الوالد الحنون على شعبه؟ أين وأين؟ أعلل نفسي بقولي: "مهلا يا أيتها النفس! فهناك أعظم من عبدالله بن عبدالعزيز وارى الثرى جنباتهم!" ونفسي ترد علي: "هذا شعوري الذاتي لملك أمر مالك الملوك أن تؤخذ نفسه في يوم (الثالث والعشرين) والذي يُحتفل به كيوم وطني لهذه البلد، وفي يوم جمعة عظيم". قلت لها: "لا بد لك أيتها النفس، أن تخلعي ثوب الذاتية، وتتجملي بثوب الموضوعية". أراد الله أن يكون عبدالله بن عبدالعزيز ملكا لهذا البلد، عندما خلفت نيران برجي التجارة العالمي في نيويورك ألسنة لهبها لتكوي الأخضر واليابس! وعندما شبت نيران الربيع العربي! ملك رأيناه يتجند بسلاح العقل والصدق ليطفئ تلك النيران! ملك كان وقود قوته محبة شعبه، ملك كان صادقا مع نفسه، قبل أن يكون صادقا مع العالم، ملك لا يحمل حقدا مضى، مترفِعا عن صغائر الأمور، مجابها كبائرها، كأنه ألهم عنترة بن شداد عندما قال: "لا يحمل الحقد من تعلو به الرتبُ.. ولا ينال العلا من طبعه الغضبُ". ملك لا يملك فصاحة القول، ولكنه يحمل فصاحة الإيمان بخالقه، ثم فصاحة النية التي كانت له مطية. ملك جعل بصمته المميزة على التعليم والقضاء والصحة والاقتصاد خاصةً، وعلى جميع كيانات الدولة عامة. ملك أتت ملوك الأرض وزعماؤها لتعزيته، ملك أراد أن يقابل خالقه بأفعاله، عسى أن تكون له شفاعة بها. اللهم ألهم ولاة أمورنا وشعبنا الصبر لفقدانه، وعزاؤنا في ملكنا سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده وولي ولي عهده.