يا لها من ليلة ليلاء، ضجت بنا مضاجعنا، وذرفت عيون الوطن دموعها الحرى على رحيل والدنا، إمامنا ورائدنا، الملك عبدالله، ناصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبكت العروبة حكيمها وحلاّل مشاكلها، ووقف الخلق - في بقاع الأرض- حداداً على ملك الإنسانية، مكفكفا دمعها جابرا مصائبها. ولسوف يحتاج التاريخ إلى إضبارة ضخمة ونفس طويل، كي يستوعب وقائع المسيرة الحافلة المظفرة، التي قادها وحَدَاها بكل الإيمان والإخلاص والحكمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه وجزاه أوفى الجزاء، والتي أخذتنا إلى آفاق العصر جنباً إلى جنب مع الدول المتقدمة، فبتنا نتعامل مع ثقافة اقتصاد المعرفة على قدم المساواة، في موازنة دقيقة حكيمة بين الأصالة الممثلة في ديننا الحنيف وقيمنا العربية الأصيلة، وبين قوى المعاصرة التي تحمي أصالتنا وقيمنا، في عالم لم يعد يعترف إلا بالقوة. ولا شك أن العدّ والإحصاء والحصر، لكل المنجزات التي حققها الفارس الراحل في عهده الزاهر، هي مهمة المؤرخ النزيه المتخصص، ونحن شهود الله على الأرض بها، لكني كمواطن معايش، أعترف أنني محظوظ بمخرجات التطوير الشجاع والتحديث الحكيم، التي كانت العنوان الرئيس في كل مجالات الحياة، والتي اكتسبت حجيتها من موافقتها لصحيح الدين الإسلامي الحنيف، الذي أقام الملك المؤسس - طيب الله ثراه - هذه الدولة على أساسه منهجاً ودستوراً، ثم يواصل -على ذات الأساس- خادم الحرمين الشريفين الملك القوي المحنك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي عهده، وسمو ولي ولي العهد، وكل المسؤولين في الدولة، صناعة المزيد من صروح المجد، ومن حق كل سعودي أن يرفع رأسه مفاخراً، بأنه إلى وطن كهذا ينتسب، ومثل هؤلاء القادة الحكماء المخلصين يبايع، ولئن كان فَقْدُ الفارس الراحل يدمي قلب كل مواطن، فإننا نراه ماثلاً في فارسنا الجديد، يحدو مسيرتنا على نهجه، ماضية راشدة بعون الله وتوفيقه. وأداء لواجب مستحق لراحلنا العزيز في ذمتنا، عندما قال يوما: "يعلم الله أنكم في قلبي أحملكم، وأستمد قوتي من الله ثم منكم، فلا تنسوني من دعواتكم" أجد لزاماً على نفسي، وعلى كل مواطن، بل وعلى كل مسلم أن نتوجه بدعاء قلبي خالص إلى المولى عز وجل: اللهم.. ثبت عبدك عبدالله بن عبدالعزيز بالقول الثابت.. ولقّنه حجته عند السؤال، وآنسه في وحدته ووحشته، وأنزله منزلاً مباركاً مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، واجعل الفردوس داره وقراره. ولقد عاصرت ستة ملوك، قضوا نحبهم على مدى ما ينوف عن سبعين عاماً، منذ وفاة الملك المؤسس، وحتى وفاة الملك عبدالله، والشعب السعودي يبكي ملوكه واحداً إثر واحد، كما بكينا أمراء من الأسرة المباركة.. فأي حكام هؤلاء؟ وأي شعب نحن؟ شيء لا مثيل له في التاريخ. وأخيراً.. فإني أحمد الله حمد الشاكرين، "نِمتُ وولي أمري: عبدالله، واستيقظت وولي أمري: سلمان، لا دماء..لا فوضى..لا حالة طوارئ.. لا حكومة انتقالية". ومن أعماق قلبي أقول: الحمد لله على نعمة الشريعة.