فقدت الأمتان العربية والإسلامية بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - رمزا من رموزها وصرحا من صروحها وزعيما من أعظم زعمائها وإنسانا من أحكم حكمائها وركنا من أقوى أركانها ورجلا من أرحم رحمائها، وإن وفاته لفاجعة بكل المقاييس ومصيبة من أعظم المصائب، لا سيما في هذا الزمن الذي أحوج ما يكون فيه لرجل في حصافة عقله وسدادة رأيه وحكمة فكره وشساعة قلبه وإنسانيته، رجل يعجز القلم بنثره وشعره عن استقصاء مناقبه ومآثره وفضائله ومكارمه على وطنه وشعبه وأمتيه العربية والإسلامية، فهو الأنموذج للحاكم العادل والرحيم والكريم والجواد والسخي الممتلئ بالطيبة والحنو والإنسانية بكل معانيها وتجلياتها. يرثيه كل مسلم على وجه البسيطة عربيا كان أو غير عربي لما له من أفضال ومكارم على الجميع، وكم كانت الفاجعة كبيرة والصدمة أليمة على شعبه المحب له حبا صادقا زرعه بطيب خصاله وجميل فعاله وكريم خلاله، عوَّد المواطنين على زياراته لمناطقهم تجسيداً لحرصه واهتمامه البالغ بهم، فلا يكاد يزور منطقة إلا وينهل عليها كالودق يخضر أرضها ويزهرها بالبذل والعطاء الذي يحقق لها التطور والتقدم ولمواطنيها السعادة والرفاه، وهذا هو ديدن القائد المحنك والملك الحكيم والأب الرحيم. والملك عبدالله - تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته - من الصعب إحصاء مناقبه وإنجازاته ومكرماته التي دونها له التاريخ، وتشهد بها النهضة الشاملة التي تعيشها البلاد في القطاعات كافة الأمر الذي جعله يحظى بمحبة الجميع من أبناء شعبه، وما المشاعر الجياشة التي يكنها له المجتمع السعودي برمته إلا دليل على صدق التلاحم والترابط بينه وبين والرعية، وهو ما يتميز به الشعب السعودي الكريم الذي عاهده على السمع والطاعة فيما يرضي الله، وإنها لصورة تحكي ملحمة وطنية نسجها - غفر الله له - بيدٍ بيضاء وغرس في الجميع معرفة أبعاد ثقافة الانتماء وضرورتها. وقد أجمع المحللون الاقتصاديون على أن عهده عهد خير وبركة على الوطن والمواطن، ولا يسعنا المجال لسرد أوجه الدعم المالي الكبير الذي أولاه مختلف القطاعات التنموية في البلاد وتخفيف العبء المعيشي على المواطن بزيادة الرواتب وتخفيض رسوم الخدمات، والإفراج عن المساجين في القضايا المالية والخاصة، وتفقد أحوال المواطنين وحاجاتهم، ودعم الضمان الاجتماعي وصندوق التنمية العقارية بمليارات الريالات، وغيرها مما يدل على إنسانية هذا الإنسان الكبير. وأجمع المختصون على أن المملكة عاشت مرحلة ازدهار تنموي متميزة في مختلف قطاعاتها في عهده الميمون ورخاء ورغدا نعم به كل مواطن على أرضها الشاسعة. وبعد رحيله الأليم نتقدم بمبايعة ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز - يحفظه الله - ملكاً للمملكة العربية السعودية، ولأخيه صاحب السمو الملكي مقرن بن عبدالعزيز - يكلؤه الله - وليا للعهد ونعاهدهما على السمع والطاعة وصدق الولاء والانتماء، سائلين الله أن يتوجهما بتيجان الصحة والعافية وأن يبقيهما ذخرا للوطن والمواطن.