في رحلات الموت غير المجدولة رحلت صديقتي، وكانت تطمح إلى أن تكون مديرة مدرسة تعلم بنات هذا الوطن الطاهر طمعاً بالأجر والمثوبة. ومن سوء حظها رماها على حزمة من الشوك الأسود على الطريق الأسود. ودرست في منطقة نائية ومرعبة لأصحاب القلوب الرقيقة ليرافقها سائق شبهته بالجني من تصرفاته ونظراته الشاردة... فلهذا قررت أن أخوض بقلمي لا بسيفي في هذا الموضوع: عندما تتسابق أرواح بناتنا المعلمات إلى بارئها الواحدة تلو الأخرى أو بشكل جماعي بسيارة مهترئة يقودها "سائق" بعيون مزغللة وفكر شارد، يحول السيارة المعدلة وراثياً إلى هيكل (وصلصال)، ويحول من فيها إلى جثث هامدة، وأخرى تئن لتلحقها في تصريح قادم، وأخرى تسكن حركاتها بدائرة من السكون لتبقى في ذاكرتها زميلاتها اللواتي رحلن بدون حجز مسبق، لأنها كانت رحلة مفاجئة تكفل بها القدر وحجز لهن مرقدهن الأخير وزفهن بلفائف بيضاء وشرائط، تركن وراءهن بيوتا عامرة بأطفال وأمهات حائرات، وآباءً يضرب أحدهم يمناه بيسراه، وقلوبا تشتعل نيرانها بحطب بشري! وصديقات وقريبات وطالبات وزميلات كلهن مفجوعات باكيات مستغيثات ومترحمات على فراق المعلمات الراحلات، فلقد ابتلعت الطرقات الدرر ولم تبق ولم تذر، وكن من قبل يلوحن ويلمحن ويطلبن الاستقرار في المدن كي لا تقف خفقات القلوب النابضة، ولكن لا تلميحات نفعت ولا صرخات تفيد ، فلذلك يجب إيقاف انهمار الدماء الطاهرة ودموع الأطفال البريئة، وصيحات الأمهات المقطعة لأنياط القلوب، ونظرات الآباء الحائرة، ووجع الطالبات والزميلات والصديقات والجارات والأخوات، والإخوان والأبناء.. استدراك: قرار وزارة التربية والتعليم والذي ينص على خفض دوام المعلمات اللاتي يعملن في القرى النائية إلى 3 أيام، للحد من حوادث المعلمات هو قرار محترم بدرجة امتياز يدلنا على أن الوزير خالد الفيصل يبحث بل ويصر على إيجاد الحلول، فهذا دأبه في كل المواقع التي عمل بها، فطريق النجاح لا يأتي إلا بحل المشاكل، دعاءنا له بالتوفيق.