مبارك محمد المطلقة كان المزارع في المملكة ينعم بدعم لا محدود من الدولة، فقد منح مجانا أراضي زراعية في جميع المناطق، وقدمت له القروض الميسرة من صندوق التنمية الزراعي، وهناك إعفاءات وإعانات كثيرة، ولذلك كان الإنتاج الزراعي رغم التكلفة العالية غزيرا وفائضا في بعض الأسواق المحلية، واتجه المزارعون في البداية إلى إنتاج الحبوب وخاصة القمح، فكان إنتاج المملكة من القمح يتجاوز الاستهلاك المحلي ويصدر الفائض إلى الأسواق الخارجية، غير أن الاستنزاف الهائل للمياه أوجد شيئا من التوجس على مستقبل الماء في مناطق التكوينات المائية التي وجدت عبر ملايين السنين، وكان لا بد من الحد من إنتاج القمح، فسُنَّت أنظمة للحد من إنتاجه، وخاصة بعد دخول شركات زراعية أهدرت المياه بكميات هائلة، غير أن هذه الشركات تحولت لإنتاج الأعلاف فزاد استهلاك المياه أضعاف ما كان يستهلك في زراعة القمح. فالقمح يزرع في الشتاء ولا يتعدى 4 أشهر فقط بينما الأعلاف تزرع على مدى العام، وما زالت المشكلة قائمة، أما صغار المزارعين وهم الكثرة في جميع مناطق المملكة فقد أضعفتهم كثيرا أنظمة وزارة العمل التي تفرض على كل عامل زراعي وافد رسوما تصل إلى 2500 ريال في السنة، غير رسوم الإقامة ورسوم التأمين الصحي والتأمينات الاجتماعية، هذا غير السعودة (وما أدراك ما السعودة)، فأصبحت وزارة العمل الثقب الأسود، تلقف ما في جيب المزارع بل وما اختزنه من سنين الرخاء. والمعروف أن المزارع في المملكة يتكلف الكثير، فاستخراج الماء من أعماق الآبار السحيقة مكلف، وقيمة البذور والأسمدة ومكافحة الأمراض النباتية وأسلوب السقيا ومكافحة الحشرات الضارة وكذلك الحشائش مكلفة كثيرا، إضافة إلى التلقيح والحصاد والتقليم ورعاية الحيوان والدواجن، وكلها تحتاج إلى عمالة، هذا بالإضافة إلى اقتناء أكثر المزارعين مواشي كالإبل والأبقار والأغنام، والطيور، وهي تكاد تكون جزءا مكملا بل وضروريا لكل مزارع تقليدي في المملكة. إضافة إلى إغراق الأسواق المحلية بالإنتاج الزراعي المستورد من بعض دول العالم وخاصة من تركيا، ما أدى بالغالبية العظمى إلى هجر مزارعهم، كما باعوا مواشيهم وسرحوا عمالتهم بعد تطبيق وزارة العمل الأنظمة التي استنزفت مدخرات المزارع، علما أن المزارعين في جميع أنحاء العالم هم الطبقة الكادحة التي يجثم الإقطاع على هيكلها على مدى التاريخ. المزارع التقليدي يئن حاليا من الإفلاس والعوز والحاجة، فالظروف الآن غير الظروف التي كانت سائدة قبل سنوات قليلة، وأكثر المزارعين الآن لا يجدون ما يسددون به الديون التي ترهقهم ويتألمون من وطأتها، فوزارة العمل لم تتفهم للأسف الظروف المحيطة بالمزارع التقليدي في المملكة، فهو يواجه دائما تحديات الطبيعة القاسية ويواجه أيضا المنافسة في الأسواق من المستورد، وكان قبلا وبتشجيع من الدولة يسد احتياجات أكثر الأسواق في المملكة من الخضار وأنواع شتى من الفاكهة كالعنب والحمضيات والرمان والبطيخ والجواف والمانجو والزيوت النباتية، هذا غير التمور التي تعتبر من أفضل أنواع التمور في العالم. انتكس المزارع التقليدي وحاصرته أنظمة قاسية من وزارة العمل، فلم ترحمه البيئة ولا قسوة الطبيعة، ولا سمع أحد من المسؤولين التنفيذيين أنينه وشكواه، وبالتالي خسر الوطن أهم ثروته واستباح الإنتاج الأجنبي أسواقه، علما بأن بعضه مشكوك في سلامته وخلوه من المواد الكيماوية الضارة. وقد قيل سابقا "ويل لأمة تأكل ما لا تزرع".. وهو مثل واقع ومعبر لكل زمان ومكان.