قال وكيل وزارة الثقافة والإعلام للإعلام الداخلي الأسبق محمد علي علوان إن العمل الرسمي وخصوصا الرقابي يعتبر ثقلا وربما يراه آخرون تناقضا، لافتا إلى أن وجود شعراء ومثقفين، ووزراء مبدعين مثل محمد عبده يماني (يرحمه الله) والدكتور عبدالعزيز خوجة، الأول روائيا وكاتبا، والثاني شاعرا، كان يفترض أن يؤثر ولاشك في مسار الرقابة في تلك الأيام، لكن "جوجل" فتح الباب على مصراعيه بنفي فكرة الرقابة. وبعد رحلة طويلة مع الإبداع وريادة في كتابة القصة القصيرة، بدأها في السبعينيات الميلادية من القرن الماضي، بالتوازي مع عمله الرسمي في وزارة الثقافة والإعلام التي قضى فيها معظم رحلته العملية، حتى تقاعد وكيلا مساعدا للوزارة لشؤون الإعلام الداخلي، كشف علوان، ل"الوطن" بعضا من تجاربه، وتأثير عمله في الإعلام الداخلي ورقابة المطبوعات على رؤيته الإبداعية، في الحوار التالي: في مجموعتك القصصية الأخيرة "هاتف" ظهر صوت المدينة الصاخب وأنت ابن القرية في مجموعاتك السابقة "الخبز والصمت" و"الحكاية تبدأ هكذا" و"دامسة".. لماذا خلعت رداء القرية واستبدلته بصخب المدينة؟ حين تقرأ كل القصص ستجد رائحة القرى الجنوبية في بعضها، ولكن هذا العمر الذي قضيته في "المدينة" لابد وأن يكون له أثر، فالقصة رصد يومي للإنسان والمعالم والحيوات التي يضج بها المكان.. صخب المدينة هو فعل يومي مزعج للمتأمل، لكنه للقاص معين لا ينضب من القصص والحكايات والتناقضات. القرية التي أتحدث عنها في "الخبز والصمت" و"الحكاية تبدأ هكذا" و"دامسة"، هي القرية التي في الخاطر والذاكرة التي ما تزال تمنحني رائحة القرية وأناسها .. ضحكهم وبكاؤهم وتناقضاتهم وعشقهم. عرفت رائدا من رواد السرد، لكنك حتى الآن لم تصدر رواية كما فعل الكثيرون؟ وهل هناك مشروع روائي؟ في الحقيقة لدي محاولة روائية مازلت بصدد كتابتها، لكن الرواية تتطلب جهدا مضاعفا وتخطيطا مسبقا ومقدرة على الصبر والتحمل الذي ليس من طبيعتي، علاوة على ذلك فالقصة القصيرة أقرب إلى الشعر الذي يأتي دفقة واحدة بعكس الرواية.. وأنا بين شعورين مختلفين.. حين اقرأ للروائيين المبدعين الذين يضيفون لهذا الفن الراقي، أصاب بالإحباط، وهذا ليس عذرا هو أقرب إلى التبرير والكسل، ثم الشعور الآخر يكون تجاه بعض الروايات التي ملأت كل زاوية دون أن تقدم للمشهد الروائي إضافة ملموسة، وهذا أيضا يشعرك بالخوف من خوض التجربة.. طبعا هذا ليس تعميما فهناك كثر نجحوا في كتابة أعمال روائية جيدة. على ذكر الصخب الروائي المحلي.. كيف ترى إمكانية أن يصدر أحدهم رواية دون أن يكون كتب قصة قصيرة واحدة من قبل؟ أعتقد أن كتابة الرواية فن قائم بذاته، كما أن كتابة القصة القصيرة فن بذاته، كما هي القصة القصيرة جدا. الرواية تعتمد على الإطالة وعرض المشاهد، والقصة القصيرة هي القدرة على التكثيف وعلى الوصول إلى القارئ، ولعل "هاتف" لاقت النجاح والقبول من القارئ سواء للقصة القصيرة أو القصة القصيرة جدا، كل بحسب استمتاعه. تظهر بين حين وآخر اتهامات لبعض منظمي الفعاليات الثقافية بتجاهل دعوة رواد أمثال محمد علوان وحسين علي حسين ومحمد الشقحاء..هل هذا صحيح؟ ولماذا يحصل هذا التجاهل؟ معظم الفعاليات الثقافية دون شك لا تقوم دائما على أساس من العدالة الثقافية إن صح التعبير فلدينا الكثير من الكتاب والمثقفين والمبدعين حقا لم نشاهدهم، وربما غابت أسماؤهم عن المشهد، لسبب واحد، هو عدم معرفتهم بمبدأ العلاقات العامة، وهذا لا يحسنه المبدع الحقيقي، وسوف ينأى بنفسه عن هذه الإشكالية، والحل الحقيقي أن تكون هناك جهة صادقة في أن يشارك الجميع، وذلك يضيف للحركة الثقافية وهجا آخر. ولعل عدم وجود جهة ينتسب لها الكتاب والمبدعون تحت أى مسمى من أسباب هذا التهميش.. هذا التجاهل في الحقيقة يحصل لوجود الشللية، ولا داعي لإيراد الشواهد فهي كثيرة جدا. تقول في صدر صفحتك على موقع "تويتر" في التعريف بنفسك (كاتم سعودي أقصد بالباء ..)..لماذا تحول "الباء" إلى "ميم" هنا؟.. وهل شعرت في لحظة ما بصراع داخلي بين عملك الرسمي سابقا "الرقابة" وقناعتك الشخصية في حرية الرأي كأديب ومثقف؟ مؤكد أن العمل الرسمي وخصوصا الرقابي يعتبر ثقلا وربما يراه آخرون تناقضا، لكن وجود شاعر ومثقف مثل عبدالكريم العودة أو حسين علي حسين، وغيرهما، ووزراء مبدعين مثل محمد عبده يماني (يرحمه الله) والدكتور عبدالعزيز خوجة، الأول روائيا وكاتبا، والثاني شاعر، سيؤثر ولاشك في مسار الرقابة في تلك الأيام، لكن "جوجل" فتح الباب على مصراعيه بنفي فكرة الرقابة، أو بالأصح قام بنسفها. وهنا أذكر أن أحد حضور أمسية شاركت فيها في نادي الرياض الأدبي، أرسل سؤالا مفخخا لي، حيث سأل ببراءة عجيبة: لماذا محمد علوان في الليل مبدع وفي النهار رقيب؟ أليس ذلك تناقضا؟ فأجبته حينها: أنا عميل مزدوج. يقال إن هناك أدباء سعوديين استغلوا موضوع منع بعض الكتب للترويج لأعمالهم بحجة أنها ممنوعة.. هل مررت بتجارب في هذا الإطار؟ وكيف تعاملت معها؟ نعم وكثيرون في تلك الفترة بالذات، يروجون لهذا المنع، والسبب هو الحصول على قارئ، حتى قبل أن يقدم نصه لوزارة الإعلام.. وأذكر مبدعا نشطا، كان في مكتبي جاء للسلام، وقلت له: سمعت أنك تقول في كل مجلس ومنتدى إن كتبك ممنوعة، فأجاب بهز رأسه. وعندها طلبت من الموظف المختص أن يرسل لي ورقة مطبوعة بجميع أعماله، تفاجأ بأنها جميعها مجازة. فحاول تدارك الأمر قائلا: إن صديقا في الدمام قرأ أحد كتبه، وقال: يمكن ما يجاز من الإعلام ، وهذا نموذج واحد فقط. عملت في مرحلة ما من حياتك في الصحافة الثقافية.. كيف رأيت التجربة؟.. وما تقييمك لواقعها الآن؟ عملت في الإشراف والمشاركة مع زملاء في الصفحات الثقافية، في مجلة "اليمامة" وصحيفة "الرياض" بصحبة عبدالكريم العودة والدكتور عبدالعزيز التويجري (يرحمه الله) وعبدالله بن بخيت. وكان الشاعر الصديق سعد الحميدين هو المشرف في "اليمامة" على هذه الصفحات، حيث كان كريما بالصفحات التي يمنحنا إياها على حساب مواضيع أخرى. وكانت تجربة رائعة لاكتشاف الكثير من المبدعات والمبدعين الذين أصبحوا من العلامات الثقافية. تجربة الصحافة المطبوعة في تلك الأيام لها طعمها الخاص، فالتجديد وظهور أسماء جديدة كل يوم ميزتها. أما الآن فأشاهد بعض الصفحات الثقافية تكرر نفس الكتاب والشعراء والنقاد، بشكل ممل لا يدعو للتنوع، وقليلا ما يشار إلى عمل إبداعي واعد في قراءة أو متابعة. فشل توزيع الكتاب من القضايا التي لم تحل منذ عقود.. ما الحل في نظرك لهذا الإشكال؟ الكتاب الأدبي يعاني من مشكلة التوزيع من أكثر من جهة، فالمكتبات ترفض أن ترسل لهم كمية من المطبوع، بحجة أن لا مكان للتخزين والنادي الأدبي يسعى إلى بعث كميات للجهات الحكومية وهذا ظلم، لأن هذه الجهات ستحفظها في المستودعات هذا إذا لم تتخلص منها. ولذلك أقترح على "الشركة الوطنية للتوزيع" أن توجد فرعا لها لتوزيع الكتب، ولهم سابق خبرة في هذا الصدد. فمن المعروف أن المؤلف لدينا لا يطمح في مبالغ مالية عالية، بقدر رغبته في وصول مجموعته أو عمله الإبداعي إلى القارئ. أو تكون هناك جهة تشرف على التوزيع تابعة لوزارة الثقافة والإعلام. وهناك حل آخر وهو أن تقوم وزارة الثقافة والإعلام بإصدار سلسلة وطنية، لإعادة طباعة المؤلفات السعودية بطبعات شعبية تصل إلى كل مكان. ولعلي هنا أذكر تجربتي في مجموعتي الأخيرة "هاتف"، حيث كنت أرسل النسخة الواحدة بالبريد السعودي بمبلغ 50 ريالا، وبوسائل نقل الطرود الأخرى بضعف هذا المبلغ . فكما قال المثل الشعبي "راحت الغنم في العطية". وبالنسبة للمكافأة التي تمنحها الأندية الأدبية فهي متدنية جدا، بسبب لوائح صنعها إداريون، بعيدا عن المعنى الثقافي والأدبي، واتحاد الناشرين السعوديين مشغول دائما بالانتخابات والزيارات للمسؤولين وبالبشوت.