لا يمكن وأنت تتابع التفاصيل الأولية لمؤتمر مكافحة الإرهاب الإقليمي، الذي استضافته المملكة أمس بمدينة جدة، والحركة الدبلوماسية النشطة التي شهدتها أروقة قاعات الاجتماعات بالصالة الملكية (مكان انعقاد المؤتمر)، من خلال اللقاءات الثنائية، - قبل بدء المؤتمر- التي عقدها عرّاب السياسة السعودية الرجل المحنك وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، خلف الأبواب الموصدة، إلا وأن تعود بالذاكرة السياسية للوراء أكثر من 14 عاماً، لاستجلاب مصطلح "القوة الناعمة" أو "القوة الذكية"، الذي ابتكره مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق للشؤون الأمنية الدولية "جوزيف ناي" في حكومة كلينتون، التي شكلت مؤلفاته مصدراً رئيسياً لتطوير السياسة الخارجية الأميركية في عهد الرئيس الحالي باراك أوباما، والتي عرفها منظرها "ناي" في حينه بأنها: "قدرة على تحقيق الأهداف المنشودة عن طريق الجاذبية أو السحر أو الإقناع بدل الإرغام". من الصعوبة بمكان، وأنت تتابع لقاءات الفيصل الدبلوماسية مع ثلاثة وزراء بارزين يمثلون ثقل "جيوسياسي"، في حياكة خيوط التحالف الدولي الاستراتيجية، للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، المعروف إعلامياً ب"داعش"، هم على التوالي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، ونظيره العراقي إبراهيم الجعفري، والتركي مولود جاويش أوغلو. رغم قلة المعلومات المتوفرة حيال نقاشات الفيصل مع وزارء الدول الثلاث، خلف أبواب قاعات الاجتماعات الثنائية – كل على حدة-، إلا أن دقة الوصف السياسي، الذي يمكن ملاحظته حول الجدوى الذي لعبته الدبلوماسية السعودية في هذا المؤتمر تحديداً، من خلال استخدامها لقوة إقناع الدول المعنية، بضرورة توحيد الحشد الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الذي بات وفقاً لقواميس العلاقات الدولية، مصدر تهديد كبير لاستقرار المنطقة، ومحاولتها سد الفجوة السياسية بين دول التحالف، وبخاصة في ظل مطالب واشتراطات متباينة بين مختلف الدول في طرق تقديم الدعم، والأدوار المطلوبة من كل جهة، كأسلوب تعزيز للقضاء على مخاطر تنظيم الدولة، الذي صنفته الولاياتالمتحدةالأمريكية، والمملكة، وهيئة الأممالمتحدة حركة إرهابية مسلحة. الرياض استخدمت أسلحتها السياسية والدبلوماسية، على الثقل الإقليمي المرحب به إقليمياً ودولياً، وبخاصة عند نافذة الدول الكبرى، لمحاولة القفز على الإشكالات المترتبة بين بعض الدول التي تشير مصادر "الوطن"، لنجاح التحالف الدولي والإقليمي ضد "داعش"، فجون كيري يثق أن "الرياض" تملك قوة سياسية ناعمة في تقريب وجهات النظر، باعتبارها رمانة الميزان في هذا التحالف، ومصدر ثقة لدى كثير من الدول المشاركة في الائتلاف الدولي ضد الإرهاب. الأحاديث الجانبية التي رصدتها "الوطن" بين أروقة مكان المؤتمر، كانت تعي جيداً أن الوزير المخضرم الأمير سعود الفيصل، عزز رؤية السعودية الشاملة لمكافحة الإرهاب، والتي أثبتت جدواها خلال السنوات العشر الماضية، في الداخل المحلي، والمحيط الإقليمي.