بين الترفيه والتسوق راحت الأسرة السعودية في حيرة الاختيار، فالمولات الكبيرة دمجت كل ذلك في ردهاتها الواسعة وبريق الإعلان وأسماء الماركات العالمية وأشهر المطاعم العالمية، وأحدث الملاهي والألعاب للأطفال، لا تسمح بكثير من الكنترول على رغبات الشراء والترفيه معا، لتكون ميزانية المصروفات مفتوحة على كل الاحتمالات بمجرد دخول الأسرة إلى مول تجاري، أمر يراه الأخصائيون الاجتماعيون والاقتصاديون ذا تأثير مباشر على اقتصاديات الأسر ويعزون السبب لذلك في قلة اختيارات الترفيه المتاحة ولقصور في ما تقدمه الجهات المعنية بذلك. وعن الدلائل لهذا التوجه الاستهلاكي ومحدودية أماكن الترفيه تحدث إلى"الوطن" البروفيسور بجامعة الملك عبدالعزيز حبيب الله تركستاني، بأن انعدام وسائل الترفيه بدا واضحا على مستوى الأفراد ومستوى الأسرة وهناك أمران يدلان بشكل مباشر على ذلك الأول نمو المطاعم كأحد وسائل الترفيه، والثاني الاتجاه للأسواق والمولات خاصة للبحث عن أدوات الترفيه الموجودة. وأضاف "أن الذهاب للترفيه في مكان التسوق يدفع للتسوق وبالتالي أدى ذلك لتغيير سلوك المجتمع إلى سلوك استهلاكي واندفاعه للشراء وهذا الأمر قضى على عملية الادخار، والحل الجوهري في رأيه أن تنشط المؤسسات المعنية بالتوجه إلى مشاريع تنموية غير (ديكورية) حقيقية فعلية تخدم المجتمع حتى يتمكن أن يتحول من هذه التوجهات إلى الأسواق إلى أماكن ترفيه ومتنزهات حقيقية وأن توظف الأموال التي تعود إلى أمانات المدن لإيجاد وسائل ترفيه. وعن الأسباب التي حدت من خيارات الترفيه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز وديع أحمد كابلي: الترفيه لدينا له عدة عناصر فالمعروف أن وسائل الترفيه محدودة لاعتبارات دينية وللعادات والتقاليد في المجتمع، إضافة إلى أن الشباب لا يسمح لهم بدخول كثير من الأماكن الترفيهية وعنصر الطقس الذي يعتبر عاملا مهما أيضا في كون المولات التجارية هي المقصد سواء الترفيه أو التسوق ويمكن للفرد الذهاب إليها نهارا أو مساء، وهذا أمر يضطر إليه الناس لأن المولات تحقق لهم رغباتهم الشرائية والترفيهية التي يكاد تحقيقيها يكون صعبا في أماكن أخرى. وأشار إلى الأسباب التي أدت إلى انتشار هذه المولات وإقبال الأسر عليها بقصور في الخدمات الأخرى الترفيهية المناطة بالجهات الرسمية المسؤولة عن الشباب وعن الترفيه، فالأندية الرياضية المقفلة والمكيفة التي تحت رعاية الشباب قليلة جدا وهذا بدوره أدى إلى تأثير اقتصادي مرتبط بالتأثير الاجتماعي، مماجعل القدرة على الادخار أمرا صعبا فرب الأسرة يدخل إلى المول وهو لا يستطيع تحديد ميزانية واضحة لمصروفاته. وفي شرح لما يؤديه هذا الارتباط المباشر بين التسوق والترفيه في مكان واحد من اتجاه للشراء والاستهلاك كنوع من التفريغ الوجداني تحدث إلى "الوطن" الأخصائي الاجتماعي غانم اليوسف، قائلا إن الهدف الأساسي من وجود ترفيه الأطفال والمطاعم بالمولات هو لجذب المتسوقين، وأيضا هناك من يذهب للتسوق ويبدأ بالترفيه هناك، والبعض يذهب للترفيه ويجد في التسويق نوعا من التفريغ الوجداني لضغوطات الحياة ويمكن أن يشتري أشياء لا يريدها. ويرى اليوسف أن التجار استطاعوا تسويق سلعهم ومنتجاتهم بتغافل من الجهات المسؤولة مثل الغرف التجارية، مضيفا أن الماركات والمطاعم المشهورة يجب أن تكون مستقلة لا تدخل في الأسواق، ملمحا أن هناك إيجابيات لهذه الأسواق من الناحية الأمنية فالكثير يذهب إلى المولات الكبيرة ولا يذهب للأسواق المستقلة أو الشعبية لأنها أكثر راحة وأمان ويختم حديثه بقوله: إن التأثير لهذه الأسواق على اقتصاديات الأسرة هو تأثير غير مباشر رغم حجمه الاقتصادي. وترى التربوية مريم الجهني أن وجود أندية للأطفال هو أمر هام ويقع على عاتق البلديات فلابد من وجود أكثر من متنفس للأسرة ووجودها في مكان واحد للشراء وللترفيه معا هو أمر يجبر الأسرة على مصاريف لم تكن في حسبانها. كما ترى الأخصائية الاجتماعية نادية سراج ضرورة فصل أماكن الترفيه عن التسوق فالمصاريف الاستهلاكية أصبحت تثقل كاهل الأسرة لأن الترفيه في هذه المولات أصبح عالي التكلفة، فطريقة التسويق والإعلان والإغراء بالشراء تجعل الأسرة تدخل عملية استهلاكية.