يقدم الكاتب الألماني ألكسندر كلوجه تأملات فلسفية وسياحة تاريخية في صيغة حكايات سياسية، بعضها عن "مهنة" السياسي الأشبه بعملية إحداث ثقب في لوح صلب، وبعضها يفسر لماذا تكون المجتمعات البشرية "دائما.. في حاجة ضرورية" لحاكم أكثر قسوة لمنع وقوع حروب أهلية. ويقول إن على الحاكم "التصدي لمثل هذه الحروب (الأهلية) وإلا أصبح بمثابة أداة لا قيمة لها، فهو يتعين عليه ترويض القسوة.. ما يدفعه في بعض الأحيان لأن يكون أشد قسوة من رعاياه". ويسجل أن الفيلسوف البريطاني توماس هوبز (1588-1679) درس تاريخ الحروب الأهلية في بريطانيا وهو يتأمل هذا المعنى "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" وهو ما انتقده آخرون بعد نحو مئة عام. ويقول كلوجه في كتابه (ثقب الألواح الصلبة.. 133 حكاية سياسية) إن الصديقين الاسكتلنديين آدم سميث (1723-1790) وديفيد هيوم (1711-1776) خالفا هوبز انطلاقا من كون الإنسان كائنا اجتماعيا سياسيا وليس دقيقا تشبيهه بالذئاب التي تتسم حياتها "بالشر والخطورة" وإن كانت تتعاون معا بدون دستور ينظم علاقاتها. ويسجل قول سميث وهيوم أن الإنسان إذا تعرض للعدوان يكون أكثر تركيزا من الذئب عشرات المرات ويصبح "بمثابة حيوان مفترس قادر على اصطياد فريسته" ولكنه رغم ذلك يحتفظ بسمتين بارزين لا يتمع بهما الذئاب "على الإطلاق" وهما الموضوعية والتعاطف مع الآخر. وفي مقدمة الكتاب يفسر المؤلف اختياره لعنوان (ثقب الألواح الصلبة) بالإحالة إلى وصف الألماني ماكس فيبر (1864-1920) للسياسة بأنها مهنة تتلخص في أنها "ثقب قوي وبطيء في ألواح صلبة بتفان وحسن تقدير ودقة في الوقت ذاته" وهكذا تحتاج هذه المهنة إلى كثير من المراس والذكاء. ويتفق المؤلف أيضا مع الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984) في تعريفه للسياسية بأنها "امتداد للحرب لكن بوسائل أخرى." ويقع الكتاب في 295 صفحة كبيرة القطع وترجمته إلى العربية علا عادل أستاذة الأدب الألماني بجامعة عين شمس وصدر عن دار صفصافة للنشر والتوزيع والدراسات في القاهرة. وكلوجه الذي ولد عام 1932 درس القانون والتاريخ والموسيقى وعمل في المحاماة ثم درس السينما على يد المخرج فريتس لانج ونال جوائز في الإخراج منها جائزة الفيلم الألماني عام 2008 كما سجل الناشر في الغلاف الأخير للكتاب.