تذكرت ونحن نعيش أيام عيد الفطر المبارك جدنا المتنبي حين استقبل العيد بمشاعر محفوفة بالحزن والعتب، وقد جرب العيد مرات ومرات في سني عمره، حين تساءل: هل من جديد فيه؟ أم أن الأعياد كلها تتشابه؟ فقال وهو في كهفه: "عيد بِأيَةِ حال عدتَ يا عِيد .. بِما مَضَى أَم لأَمر فِيكَ تجدِيد"، سؤال المتنبي المتوجس من العيد، يخالفه ابن المعتز حين رحبّ بقدوم العيد "أهلاً بفطْر قد أضاء هلاله" وقد أتى بعد شهر من العبادة، ما بين صيام وقيام، وتلاوة للقرآن الكريم، ونحن في كل عام يأتي فيه العيد، نحاول أن نفتش فيه عن الفرح والبهجة، ونسيان شيء من الهموم والمواجع، ونبحث عن لحظات تجلب لنا الابتسامة؛ كي نتنفسها كعطر فواح يعبق به المكان، فينتشر الوئام بين الناس مع كل معايدة "كل عام أنتم بخير". والأعياد لم تشرع إلا ليفرح الناس ببعضهم بعضا، يتزاورون، يعلنون الحب والسلام بينهم، ويحاولون التواصل وقد شغلتهم مشاغل الحياة فباعدت بينهم، والعيد كما قال مصطفى صادق الرافعي: "كان يوم استرواح الأمة من جدها"، يعني أنه يوم السلام، والفرح، والضحك، والوفاء، والإخاء، يوم ارتداء الثياب الجديدة، يوم تقديم الحلوى لتحلو العبارات بتبادل التهاني ونسيان الخلافات الحياتية، يوم تتزين فيه النظرة إلى الحياة؛ لتنعم بجمالها وكل ما فيها، وهو يوم لهو وفرح للأطفال، ليحسّوا بالأمل القادم، ويشعروا ببهجة الحياة، ونحن نعيش فرحة العيد، فكم هو جميل تذكر أهل "غزة" وقد مسّهم الضر، فمشاعرنا الإسلامية قبل الإنسانية تحتم علينا تذكرهم، وأقل شيء نقدمه لهم الدعاء لهم بأن يرفع الله عنهم ما هم فيه من ضيم وقهر.