ليس كل تمرد مذموما، هذه الحقيقة يمكن أن نستشفها من رحلة طبيب القلب الدكتور ساعد بن سعد العرابي الحارثي الذي تمرد على أسرته تمردا محمودا من أجل طلب العلم؛ في حين كانت الأسر ليست بحاجة إلى طبيب، أكثر من حاجتها إلى من يحرس مواشيها من الذئاب الضارية. بدأت القصة في منتصف السبعينات الهجرية مع بداية انتشار التعليم في قرى جنوبالطائف؛ إذ كان هناك تحد كبير يواجه الطفل الذي يتوق إلى التعليم، فالمدارس النظامية فتحت ذراعيها له ولأقرانه، بينما هناك ممانعة من الأهل الذين لم يستوعبوا بعد أهمية العلم، خاصة أنه سوف يكون على حساب أكل عيشهم، إذ إن الطفل كان راعيا ماهرا، والتفرغ للدراسة سيكون له أثر سلبي على مصدر رزق الأهل، ومن هنا بدأ الصراع والتحدي والعصيان والتمرد بين الطفل وأسرته، لكنه انتصر بحل وسط، وهو التفرغ الجزئي للدراسة مع الاستمرار في الرعي بعد نهاية الدروس وفى نهاية الأسبوع. وفي عام 1377 حصل العرابي على شهادة إتمام المرحلة الابتدائية، وغادر قريته الصغيرة "المريفق" إلى المنطقة الشرقية، وتحديا للظروف قرر العمل بالنهار والدراسة ليلاً إلى أن حصل على شهادة الكفاءة المتوسطة، وانتقل إلى الثانوية الليلة، وبعد الحصول على شهادة الثاني ثانوي علمي قرر دراسة الصف الثالث ثانوي نهارا، لكي تكون فرصته بالابتعاث للدراسة بالخارج أكبر، وبالفعل نال الثانوية العامة من مدرسة نهارية وبتفوق كبير، ومن ثم فاز بالابتعاث إلى جامعة فيينا بالنمسا للحصول على شهادة الطب البشرى. وبعد جهد ومثابرة حصل على شهادة البكالوريوس في الطب وبتفوق عام 1395 هجرية، وعاد إلى قريته، وأقيم له استقبال حافل من قبل أمير الطائف آنذاك، لكونه أول طبيب سعودي في محيط الطائف يحصل على هذه الدرجة العلمية من جامعة أوربية عريقة. عين الطبيب العائد إلى أرض الوطن معيدا في كلية الطب بجامعة الملك سعود، وبعد سنة ابتعث إلى ألمانيا للدراسات العليا في أمراض الباطنة وحصل على الدكتوراه عام 1402، وعين أستاذا مساعدا في كلية الطب جامعة الملك سعود، ثم حصل على بعثة إلى جامعة كلورادو في الولاياتالمتحدة الأميركية وحصل على شهادة التخصص الدقيق في أمراض القلب وبالتحديد في فنون القسطرة القلبية. شارك العرابي في الأعمال الإدارية في كلية الطب وفى المستشفى الجامعي الذي يعمل به، حيث كلف برئاسة قسم الباطنة، ثم عين كبيرا للأطباء بمستشفى الملك خالد الجامعي، وشارك في لجان ومجالس في الكلية وفى الجامعة، وتم اختياره مستشارا غير متفرغ في وزارة الصحة. نشر له أكثر من 70 بحثا علميا في مطبوعات محلية وعربية وعالمية، وشارك في أكثر من 300 مؤتمر وندوة علمية على جميع المستويات داخل المملكة وخارجها. أسس العرابي جائزة التفوق العلمي لأبناء قريته، والتي يقيمها في كل عام لتكريم المتفوقين وتحفيزهم على العلم.