طالب الدكتور عايض الردادي، وزارة الثقافة والإعلام بالوقوف في وجه العابثين الذين شوهوا تاريخ المدينةالمنورة، بدعوى تحقيق المؤلفات ووضع قيود صارمة لقطع الطريق على الباحثين عن الكسب المادي والشهرة على حساب المؤلفات العلمية والتاريخية. وقال الرادي في المحاضرة التي نظمها نادي المدينة الأدبي أول من أمس، بعنوان "تحقيق مخطوطات تاريخ المدينةالمنورة، الجواهر الثمينة في محاسن المدينة أنموذجا"، وأدراها عضو نادي المدينة الدكتور مدني الشريف، أن أكثر من يشوهون المؤلفات هم من أصاب الشهادات العلمية العليا الذين يتسابقون على تحقيق المؤلفات العلمية والوثائق التاريخية دون دراية علمية؛ بدافع الكسب المادي ومشاركة المصنفين أغلفة الكتب. وأستعرض "الردادي" عددا من المؤلفات التاريخية الخاصة بالمدينةالمنورة التي تعرضت للتشويه والعبث بحسب الردادي من بينها كتاب "الجواهر الثمينة في محاسن المدينة"، وكتاب "الأخبار الغريبة في ذكر ما وقع بطيبة الحبيبة"، وكتاب "نصيحة المشاور وتسلية المجاور في تاريخ المدينةالمنورة" لابن فرحون، مستغربا من تمادي المحققين في التضليل "التشوية" الذي طال حتى ما وصفها بالثوابت العلمية مثل أسماء المؤلفين وأبيات من قصائد عربية نقلها المؤلفون وتحفظها دواوين العرب وصولا إلى فهارس المؤلفات، مشيرا إلى أنهم تجاوزوا الحدود في طمس معالم الكتب التي حققوقها. وقال الردادي: رغم أن رصيد المدينة من المخطوطات يعد الأضخم في العالم العربي انتشارا وشهرة، غير أنه الأكثر عرضة للتشوية على أيدي محققين خاضوا في هذا العلم دون دراية ومعرفة، حتى أصبحوا يهددون نفائس وكنوز المدينة العلمية والتاريخية. مشيرا إلى أن تحقيق المخطوطات من العلوم التي عني بها المسلمون من عشرات السنين، يهدف إلى إخراج نص صحيح مطابق لما كتبه مؤلفه، مع العناية بضبطه وتوضيح دلالاته التي قصدها المؤلف، غير أن كثيرا ممن تولوا تحقيق الكتب التاريخية أسهموا في تشويه تلك المؤلفات لعدم تقيدهم بأصول التحقيق الصحيح. وبين الردادي أن أوائل من تصدى للعابثين بتاريخ المدينة عبر نشر المخالفات التي وقعوا فيها؛ بدعوى التحقيق: هما المؤرخ والنسابة حمد الجاسر، وأديب المدينة الراحل الدكتور محمد العيد الخطراوي. مبينا أنهما سبقاه في وصف من اقتحموا هذا الفن دون دراية علمية ووصفهم بالعابثين، ناقلا عن العلامة حمد الجاسر قوله "لم تبتلى أمة من الأمم أسوأ من إسناد الأمر إلى غير أهله"، عند حديثة عن اتساع دائرة التشوية الذي طال المؤلفات التاريخية على يد المتطفلين على المؤلفات باسم التحقيق. بدوره عد رئيس نادي المنورة الأدبي الدكتور عبدالله عسيلان، أن عدد من خاضوا هذا الفن بغير علم ولا دراية مسخوا المؤلفات العلمية بدعوى التحقيق، مشيرا إلى أن من عدوا أنفسهم محققين هم في الحقيقية "جناة" تخلوا عن أمانتهم العلمية بمسخ عدد من المؤلفات التاريخية للمدينة المنورة، وغيروا مقاصدها العلمية، وأورد عسيلان في مداخلته أنه خلال رصده للمحققين في الكتب العلمية والتاريخية وجد ما يثير الدهشة، فحين قام "عسيلان" بتحقيق كتاب "تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة"، وكان قد حققه قبله محمد جواد الأصمعي من مصر، ووجده كثير التصحيف والجهل بالمسميات والمواقع حتى أنه أسقط بابا كاملا يتعلق "بالتوسل"، عادا أن هذه "جناية" على التراث يجرم مرتكبوها حماية للحقوق الفكرية وتاريخ طيبة. وأشار عسيلان إلى أن من ضمن الكتب التاريخية للمدينة وشوهها المحققون كتاب "وفاء الوفاء للسمهودي"، الذي حققه الدكتور قاسم السامرائي من العراق وتضمن تحقيقه الكثير من التصحيف والأخطاء التي لا تسيء إلى المؤلف، وتغير الملامح التاريخية في كتب التراث. وزاد بل إن منهم من حذف وثائق تاريخية، متخلين عن أمانتهم العلمية في النقل والتحقيق، مطالبا بوضع قيود على ممتهني هذا الفن لقطع الطريق على الباحثين عن الكسب المادي والشهرة، بتدوين أسمائهم على أغلفة الكتب العلمية. وشهدت المحاضرة مداخلات من الحضور، الذين طالبوا بحماية تراث المدينة بعدد من المقترحات التي تحفظ الكتب العلمية، من بينها ما اقترحه المداخل دخيل الله الرحيلي، بإنشاء جمعية علمية تعنى بحفظ حقوق المؤلفين وتشكيل رابطة علمية لمراجعة تحقيق الكتب التي وردت في المحاضرة، إضافة إلى إعادة تحقيق ما شوه من الكتب التاريخية للمدينة المنورة.