ما بين البيت الأبيض والخارجية الأميركية، يتكئ 6 من قيادات التنظيم الدولي ل"الإخوان المسلمون" في مواقع مهمة وحساسة في إدارة الرئيس باراك أوباما. وفي سياق التقارير الاستقصائية التي تنشرها "الوطن" حول "المصالحة المستحيلة"، كشفت مصادر أن هناك 13 شخصية من قيادات التنظيم يشغلون مناصب رفيعة في إدارة أوباما، ولكن 6 منهم فقط يمكن أن يصنفوا بأنهم الأخطر. مع الوقت، تتكشف أوراق ارتباط جماعة "الإخوان المسلمون" بالخارج، وفي الإدارة الأميركية تحديداً. وبصرف النظر عن رفع صوت الجماعة "مُناهضةً" لسياسة أميركا في المنطقة، إلا أن ذلك وبعد سقوط المشروع الإخواني "عابر الحدود"، اتضح أنه مجرد "تمويه" على الرأي العام العربي، لصرف النظر عن العلاقة المتجذرة بين الجماعة وواشنطن. وتتناول "الوطن" في الحلقة الخامسة من ملف "المصالحة المستحيلة"، مهمة الكشف طبقاً لمصادر أمنية، عن وجود نحو 13 شخصية من قيادات التنظيم الدولي للإخوان يشغلون مناصب رفيعة في إدارة أوباما، لكنها تكتفي بالحديث عن أخطر ست شخصيات تشغل مواقع بالغة الأهمية في البيت الأبيض والخارجية. تسلل الإخوان للبيت الأبيض البداية مع عارف علي خان، وهو محام من أب هندي وأم باكستانية هاجرا للولايات المتحدة عام 1960، تخرج في جامعة كاليفورنيا عام 1990 وحصل على بكالوريوس في الآداب تخصص علم البيئة الاجتماعية، ودرس العدالة الجنائية وعلم الجريمة، والدراسات القانونية والبحوث التي أجريت في التحليل البيئي، وانضم لنقابة المحامين بولاية كاليفورنيا عام 1993. وتقلد خان عدة مناصب حساسة بالإدارة الأميركية، أحدثها نائب مدير الأمن الداخلي لتطوير السياسات، حيث تدرج في مناصب هامة في مواقع حساسة كان أهمها عمله لمدة عشرة أعوام داخل وزارة العدل الأميركية بمنصب المدعي العام الاتحادي في لوس أنجلوس منذ عام 1997 حتى 2005، وبعدها أصبح مسؤولاً رفيعاً بوزارة العدل في واشنطن منذ العام 2005 حتى 2006، ومستشاراً سابقاً لكل من النائب العام الأميركي السابق جون أشكروفت، ووزير العدل ألبرتو جونزاليس. علاقة عارف بالجماعة علاقة عارف بجماعة الإخوان قامت على كونه أبرز مؤسسي المنظمة الإسلامية العالمية التابعة للتنظيم الدولي للإخوان، واشتهر بأنه "مهندس الترتيبات" لاجتماعات الإدارة الأميركية بقيادات الإخوان، و"ضابط الاتصال" خلال ثورات الربيع العربي والترتيبات الأميركية التي أعقبتها. يأتي هذا فضلاً عن كونه مستشاراً لأوباما لشؤون حركات الإسلام السياسي، والمسؤول الأول عن ملف دول العالم الإسلامي في البيت الأبيض، وأحد مخططي ما يسمى "تطوير العلاقات الأميركية الإسلامية"، خلال فترة أوباما الرئاسية الأولى. ويُذكر أنه عقب تفجيرات 11 سبتمبر 2001 شغل خان منصب نائب عمدة لوس أنجلوس ليساعد بمراقبة المساجد والجمعيات الإسلامية المتطرفة داخل المدينة، ورصد العناصر المتطرفة داخلها، وكان المسؤول عن الإشراف على إدارة شرطة لوس أنجلوس، ومسؤول تقسيم ميزانيات هذه الهيئات التي بلغت مجتمعة أكثر من 2 مليار دولار. وفي يونيو عام 2009 عينه أوباما مساعداً لوزير الأمن الداخلي لتطوير السياسات في الوزارة بكل ما يتعلق بالأمن الداخلي. خان يُلقي محاضرات في كلية الأمن الدولية بواشنطن، ويحاضر بقضايا الأمن القومي للجيش الأميركي، كما يُعتبر أحد أبرز المتخصصين في مجال الأمن المدني الأميركي، وهو خبير رسمي لدى الحكومة الأميركية في قضايا الأمن الوطني، وسياسات مكافحة الإرهاب، ورسم سياسات التعامل مع الحركات الإسلامية على تنوعها. القطبي المصري ثاني محاور الارتباط الإخوانية بالإدارة الأميركية، هو المصري محمد الإبياري، وهو من مواليد الإسكندرية بمصر، ويشغل منصب عضو المجلس الاستشاري للأمن القومي، وقد اتهمته تقارير أمنية أثناء عمله بوزارة الأمن الداخلي في أكتوبر 2011 بعلاقته بجماعة "الإخوان المسلمون"، واتهمته أيضاً باختراق قواعد البيانات الخاصة بوزارة الأمن الداخلي، للحصول على معلومات سرية تخص المخابرات الأميركية وقاعدة بيانات المواد السرية، التي تضم مئات الآلاف من تقارير الاستخبارات، والحصول على وثائق بالغة الخطورة وصفت بأنها تُهدد الأمن القومي الأميركي، باعتباره واحداً من بين 26 شخصاً بالوزارة يسمح لهم بالوصول لأخطر الوثائق عبر قاعدة البيانات، واستجوب مع جانيت نابوليتا أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي. كما كشف التحقيقات عن وجود علاقة مباشرة بين الإبياري وجماعة الإخوان بمصر، عبر تمويل "حزب الحرية والعدالة" الذراع السياسي لجماعة الإخوان لمؤسسة الإبياري التي تحمل نفس الاسم "مؤسسة الحرية والعدالة"، ومن المعروف عنه أنه من أكثر المدافعين عن أفكار سيد قطب "العرّاب الإخواني"، وتسويقها في شتى الأوساط الرسمية والنخبوية (في مراكز الدراسات والإعلام) وحتى الشعبية الأميركية. كما سبق أن كان شاهداً بقضية الشيخ الجهادي الشهير عمر عبد الرحمن، الزعيم الروحي لتنظيم "الجماعة الإسلامية" الإرهابي في مصر، والمسجون بموجب حكم قضائي بأميركا حتى الآن حيث أدلى بشهادته قائلاً "إن الرجل لم يفعل أي شيء غير قانوني ولا تجوز محاكمته"، لكن المحكمة لم تأخذ بشهادته. ورغم ذلك كله فقد اختاره أوباما ليكتب جميع خطاباته الموجهة للعالمين العربي والإسلامي، وهو الذي كتب خطاب أوباما لحسني مبارك أثناء ثورة 25 يناير مطالباً إياه بالتنحي عن منصبه. المحامي الهندي أما المدعو رشاد حسين، المبعوث الخاص للإدارة الأميركية لدى المنظمة العالمية للمؤتمر الإسلامي، فهو محام أميركي من أصل هندي، وفي يناير 2009 شغل منصب محام بوزارة العدل الأميركية وعين مستشاراً قانونياً للبيت الأبيض، بتزكية من كريج جريج، وبدأ تقديم المشورة لأوباما بشأن القضايا المتصلة بالإسلام، وكلف بصياغة الخطب المتعلقة بالسياسة الخارجية وكتب خطاب أوباما بجامعة القاهرة. وكان رشاد قد عمل في يونيو 2002 ضمن فريق مساعدي الكونجرس لدى مؤتمر "المجلس الإسلامي الأميركي" (AMC) الذي كان يرأسه عبد الرحمن العمودي، أحد قادة التنظيم الدولي للإخوان بأميركا، وكان عضواً باللجنة المنظمة لمؤتمر "منظمة التأملات الإسلامية الحرجة" (CIR) مع عناصر من الصف الأول بجماعة "الإخوان المسلمون" بالولاياتالمتحدة، ومنهم جمال برزنجي، هشام طالب، ويعقوب ميرزا، وارتبط اسمه بما يسمى "مجموعة الصفا" وهي شبكة منظمات إسلامية بشمال ولاية فرجينيا، هاجمت السلطات الاتحادية مقرها في مارس 2002 وتأكدت صلتها بالتنظيم الدولي للإخوان في حينها، ورغم ذلك لم تُدرج واشنطن الإخوان في لائحة "الجماعات الإرهابية"، بل أعلنت بصريح العبارة أنها لا تفكر بالأمر أساساً، ولن تعتبرها منظمة إرهابية. الزعيم السياسي العراقي نصل إلى سّلام المرياتي، مؤسس المجلس العام لشؤون المسلمين، وهو مهاجر عراقي يشغل منصب المدير التنفيذي لمجلس الشؤون العامة الإسلامية (MPAC) إحدى المؤسسات الإسلامية بأميركا والتي أنشئت عام 1986، ويرتبط المجلس بالتنظيم الدولي ل"لإخوان المسلمون" كما أكدت السلطات الأميركية والتقارير الأمنية عام 2004 عندما اقتحمت منزل أحد أعضاء التيار الإسلامي واعتقلته، على خلفية أحداث سبتمبر 2001، ووجدت داخل المنزل مستندات تؤكد تبعية هذا المجلس للتيار الإسلامي بأميركا الشمالية، الذي تديره وتهيمن عليه جماعة الإخوان من خلال تنظيمها الدولي. المثير للدهشة أنه رغم كل ذلك فقد تم ترشيح المرياتي عام 2002 للعمل بجهاز الأمن الوطني الأميركي، بل ويشغل موقعاً مرموقاً به. وفضلاً عن ذلك فقد لعب المرياتي دوراً سياسياً من خلال منصبه كرئيس لمجلس (MPAC) لهذا تراه حاضراً بشكل مستمر حينما يواجه أي مسلم بأميركا مشكلة ما لدى الجهات الحكومية المعنية، وكثيراً ما تفاوض مع وزراء ومسؤولين، وسفراء من أجل هذه الأزمات التي تخص الموالين للحركات الإسلامية داخل الولاياتالمتحدة، لدرجة توقع معها مراقبون عرب في أميركا أنه يجري إعداده الآن ليكون الزعيم السياسي للمسلمين هناك، خاصة أنه يحظى بعلاقات واسعة مع المنظمات والسلطات الأميركية سواء المحلية أو الفيدرالية. الإمام السوداني أما محمد ماجد رئيس المجمع الإسلامي لشمال أميركا، فهو سوداني الأصل ولد بشمال السودان عام 1965 وكان الده مفتي السودان لسنوات، وهاجر لأميركا عام 1987، وفي مارس 2002، داهمت FBI مؤسسته (ADAMS) للاشتباه بأنها تقدم الدعم المادي للإرهابيين، وبعد التحقيق خرج ليجتمع بحشود المسلمين هناك وقال حينها "إنها حرب ضد الإسلام والمسلمين"، ودعا أنصاره للتظاهر والاحتجاج ضد السلطات الأميركية حينها. الغريب أنه بعدها التحق بمجلس الأمن القومي، وأصبح عضواً بمكتب التحقيقات الفيدرالي والمجلس الاستشاري العربي حتى عام 2011 حين عينه أوباما مستشاراً له داخل وزارة الأمن الداخلي (DHS) لمكافحة التطرف والإرهاب وتقديم المشورة لأفراد تابعين لمكتب التحقيقات الاتحادية ووكالات اتحادية أخرى. وقدمته مجلة "تايم" و"هافينجتون بوست" كإمام لمسلمي أميركا وأكدت حضوره بجميع أنحاء أميركا للتواصل مع المسلمين، مما جعل إدارة أوباما تشعر بنفوذه الروحي بالمناطق التي ينتشر بها المسلمون في البلاد، لهذا أصبح زائراً منتظماً للبيت الأبيض، كما يحضر الخطب والمؤتمرات الخاصة بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط في وزارة الخارجية، ويعمل الآن بوزارة الأمن الداخلي في مكافحة التطرف والإرهاب، كما يقدم المشورة لمكتب التحقيقات الفيدرالي والعديد من الوكالات الفيدرالية الأخرى. وليس سراً أن محمد ماجد وثيق الصلة بجماعة "الإخوان المسلمون" وتنظيمها الدولي، فالجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية التي يرأسها هي كيان إخواني تعترف جماعة الإخوان بتبعيته لها من خلال مواقعها الرسمية، وقادة الإخوان من شتى أنحاء العالم يترددون على مقر الجمعية بانتظام للمشاركة في فعاليات كثيرة. حليف آل البنا نصل أخيراً للمدعو "أبو بطل" وهو أميركي من أصل هندي نشأ ودرس في ولاية إلينوى ودرس بجامعتها وحصل على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع، ثم أسس مؤسسة IFYC في عام 2002 مع صديق يهودي بمنحة 3500 دولار من مؤسسة فورد، وتعاظم دور المؤسسة وأصبح يعمل لديها نحو 50 موظفا وتبلغ ميزانيتها 12 مليون دولار، وتُعلن أنها معنية بعلاقة الشباب بجوهر الأديان. ويكتب "أبو بطل" مقالات بصحف "الواشنطن بوست"، و"هافينجتون بوست"، و"يو إس توداي"، ويشغل منصباً باللجنة الاستشارية الدينية في مجلس العلاقات الخارجية، واللجنة الوطنية لمؤسسة "آغا خان"، وعضو المجلس الاستشاري لمركز جامعة ديوك للدراسات الإسلامية، وزميل مؤسسة "أشوكا"، ويعمل مستشاراً بإدارة الأمن الداخلي، وعضوا بالمجلس الاستشاري للرئيس أوباما لشؤون تقارب الأديان. "أبو بطل" معروف عنه وسط دوائر المنظمات الإسلامية الأميركية بتنوع مشاربها، صلاته الوثيقة بأبناء سعيد رمضان زوج أخت حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان"، بالإضافة لعلاقته بسراج وهاج، الإخواني الأميركي المعروف بعضويته بمؤسسة الMSA بأميركا، وهي منظمة إخوانية كبرى لها أنشطة متعددة يشوبها الغموض. رفض صيغ الوساطة يبقى أخيراً التأكيد على حقيقة هامة في هذا السياق مفادها أن واشنطن ستبقى على "صلة ما" مع القوى الفاعلة على الساحة الإقليمية سواء في مصر أو السعودية أو الإمارات، لأنها كقوة عظمى لا تملك سوى التواصل مع الدول المؤثرة إقليمياً، والقادرة على ضبط أوضاع المنطقة، باعتبار ذلك يتعلق بمصالحها بالشرق الأوسط، خاصة بعدما تبلورت منظومة (4 + 1) التي تضم مصر ورباعي الخليج بقيادة السعودية، لتشكل دوراً محورياً، يحول دون الانزلاق للفوضى في هذه المنطقة الملتهبة، وأن العلاقات الأميركية العربية ستستمر لاعتبارات المصالح المشتركة، لكنها ستتخذ منظوراً يقوم على أساس "الندّية"، وضرورة توقف واشنطن عن استخدام التنظيم الدولي للإخوان لإثارة القلاقل بدول المنطقة، خاصة مصر، ورفض كل الصيغ التي طرحتها واشنطن سراً للوساطة بين الجماعة والدول التي اعتبرتها "منظمة إرهابية"، بما يترتب عليه من نتائج تستوجب ملاحقة أنصارها قضائياً وأمنياً. مصالحة غير قابلة للتحقق وكما أكد رئيس المخابرات المصرية كما أشرنا من قبل فإن الإرهاب لا يُحاور، لأنه لا يقبل بغير السلطة كاملة، فضلاً عن أن المصالحة تتمّ بين قوّتَين متساويتَين، وهو مستبعد في صراع الإخوان مع الدولة، والتعبير الدقيق هو "إعادة تأهيل الجماعة"، وهذه أزمتها التي ينبغي عليها البحث عن حلول عملية مقبولة سياسياً واجتماعياً في مناخ شعبي يلفظهم، وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع، كما تتطلب شروطاً يستبعد المراقبون قبول الجماعة بها، لأنها تنسف أهم أدواتها، كإنهاء ارتباط "الجماعة" ب"التنظيم الدولي للإخوان"، وتعهدها بشكل واضح وقاطع بالاعتراف صراحة بالواقع الجديد، والالتزام بالدستور والقوانين، بالإضافة لإعادة تأهيل أعضاء الجماعة فكرياً وتخليصهم من الأفكار القطبية المتطرّفة، وهو ما لا يبدو قابلاً للتحقق في المدى المنظور، خاصة في ظل استقطاب سياسي واجتماعي عميق في الشارع المصري والعربي، مع أهمية الإشارة إلى أن كل هذه الالتزامات ليست كفيلة بالضرورة لرأب الصدع العميق مع أجهزة الدولة، بل لاستعادة ثقة الرأي العام المصري الذي يرفض فكرة المصالحة بشكل قاطع، وهو الموقف ذاته الذي يتبناه جيل الشباب المتشنج الموالي للإخوان.