الزائر لمدينة أصيلة (أرزيلا) المغربية التي تقع على المحيط الأطلسي وتستقبل موسمها الثقافي بفنون الرسم والنحت والحفر، وجداريات تجمع العديد من فناني العالم ،لابد وأن تستوقفه التشكيلية المغربية كريمة الجعادي ( 27 عاماً) التي ترسم بأصابع رجلها أعمالاً تشكيلية مبدعة تمثل التراث المغاربي الإسلامي، وما يرتبط به من عادات وتقاليد تتمثل في اللباس والزينة وتفاصيل الحياة اليومية لسكان شمال المغرب، وعلى الرغم من مسحة حزن تغلف مجموعة من أعمالها، واللون الأسود الذي يغطي مساحات كبيرة من نصوصها البصرية، إلا أنك تلمح كمتذوق بارقة أمل تظهر في نصوص بصرية أخرى أبدعتها ببراعة. ولدت الجعادي وهي مشلولة اليدين في مدينة القصر الكبير شمالي المغرب، وتلقت تعليمها الابتدائي فيها، ولضيق ذات يد أسرتها اضطرت إلى أن تتحدى الإعاقة وتمارس الرسم لتساعد أسرتها وتتحمل أعباء الحياة بما تكسبه من مبيعات أعمالها على السياح والابتسامة لا تفارق محياها وسط مجموعة من مراسم فنانين عالميين يأتون من كل مكان ليبدعوا فناً أصيلاً يليق بأصيلة التي تحتضن إبداعاتهم في كل موسم ثقافي. التقيت بالجعادي في ساحة القمرية بأصيلة وهي غارقة في الرسم والسياح يتحلقون من حولها علهم يقتنون أحد أعمالها بعد الانتهاء مباشرة من رسمها ليس من باب العطف عليها وإنما إعجابا بأعمالها؛ الأمر الذي جعلني أنا أيضاً أحرص على اقتناء مجموعة من إبداعاتها. واستمعوا لها وهي تقول في حديث إلى (الوطن) أنها استطاعت أن تروض أصابع قدمها لتقوم مقام أصابع يدها في الرسم والتلوين بعد أن كانت تستخدم فمها في الإمساك بالفرشاة لرسم لوحاتها، ونُصح الأطباء لها بخطورة ذلك بعد إصابتها بمشاكل في أسنانها. وبعد تجارب عدة استطاعت أن ترسم بقدمها أولى أعمالها التشكيلية وهي لم تتجاوز سن 11 عام، وبعد أن عرضت عملها على فنانين ونقاد وحصلت على شهادات الإعجاب والإشادة؛ استمرت في الرسم والتلوين حتى أصبح لأعمالها مجموعة واسعة من المعجبين والمقتنين، وكانت لوحة (خربشات) كما سمتها بداية انطلاق لتحديها الإعاقة، ومن ثم اجتهدت في العمل على تطوير موهبتها وصقلها من خلال الإفادة من آراء النقاد والفنانين والزائرين لأصيلة، كما تحرص على الرسم مباشرة أمام زوار أصيلة رافضة أن تكون ورشها التشكيلية التي تقيمها تسولاً بل إبداعا بشهادة المختصين على الرغم من أنها لم تتلق دروساً في الرسم وإنما تعلمته بالفطرة والمشاهدات المستمرة لضيوف أصيلة من فنانين ومبدعين. وقد حرصت الجعادي على مواصلة تألقها بعد أن تبنت موهبتها جمعية البر والإحسان في (كتالونيا) بإسبانيا، لتتمكن من تقنيات الرسم والتلوين وتعرض أعمالها التشكيلية في كثير من المعارض والمسابقات في داخل المغرب وخارجها، إذ أقامت نحو 30 معرضاً تشكيلياً شخصياً وجماعياً في مدن المغرب، مثل: الرباط، وطنجة، ومراكش، وتطوان، وكازا بلانكا، إضافة إلى مدريد وبرشلونة في إسبانيا.