زين العابدين الغامدي في مطلع كل عام، تطفو على السطح قضية تافهة، لا تقدم ولا تؤخر في حال مجتمع يتطلع إلى التقدم والإنجاز والتطور، وتكمن مشكلتنا في تتبع أشياء صغيرة، يتنازعها تياران أو تيارات مختلفة، ويتم الترويج لها من طرف ثم مواجهتها من طرف آخر بالنقض، وتكبر كرة الثلج، وتتحول إلى كرة نار مشتعلة، ويمتد الصراع ويكبر، ويدخل في حلبة الصراع كبار قوم وصغارهم، العقلاء والحمقى، المتعلمون والمتعالمون، حتى صغار الجهلة والعامة، عبر وسائل الاتصال القديمة والحديثة، والإعلام المرئي والمسموع، وتظهر أصوات مسكونة من أعماق الأرض كجن ملعون لتشارك زفة عرس فاشل وعقيم، كل ذلك في لحظة مجنونة، وفي غفلة عن العالم الذي يتحرك من حولنا نحو الأكمل والأفضل والأمثل. ونحن ما نزال في دائرة مغلقة من الخُلفِ والتخلف. لنكن عقلاء، ونتجه نحو القضايا المصيرية للمجتمع، التي تمس حاجاته الضرورية من صحة وتعليم واقتصاد وغيرها، وصوب حقوقه المشروعة والمنزوعة، وما يزيد في تقدمه وتطوره، ويضيف لنجاحه نجاحات أخرى، والحوار حول ذلك بدل الحوارات التي تورث الصداع واستهلاك الوقت والجهد، وتصنيف المجتمع وتقسيم لحمته، وتحويله إلى جزر متباينة غامقة الألوان هادرة الأمواج، لكل جزيرة مسبح في خضم عميق، كل ذلك بسبب قضية كان يمكن تجاوزها إلى ما هو أكبر وأعمق، وأهم من القضايا الهامشية التي تأخذنا كمجتمع صحراوي يستفزه الطير العابر، ويثور لأتفه الأسباب، وقد يتحول إلى صورة مصغرة من داحس والغبراء، فتثور غبارات كبيرة وكثيرة لذرات يسيرة تشعل نارا عظيمة، لا تلبث أن تتحول إلى رماد لا جدوى وراءه غير عمى العيون، ويمتد الخلاف ويشغلنا عن كثير من القضايا المصيرية والمهمة، الموغلة في زمن الإهمال والمرسلة في سلة اللامبالاة بوعي أو بغير وعي، بقصد أو بغير قصد، ولا داعي لذكر تلك القضايا الهامشية والتافهة أحيانا فهي معلومة وأقل من أن تذكر وما تزال محل خوض وجدل في جذب من جدب. أما قضايانا المصيرية، فهي أكبر وأوضح من الشمس في رابعة النهار سواء القضايا التي تهم المجتمع أو الفرد أو المرأة والطفل أو عامة الناس وسواهم، وأظن الفراغ الذي تركه الانشغال عنها بأمور أخرى جعلنا نتغاضى عنها، ونشغل أنفسنا بتوافه الأمور، وقد يكون ذلك مقصودا لمن يصبون زيتا على نار، تحرقنا وتفرحهم، تسحقنا وترفعهم. وقد يكونون من جلدتنا يفرحون بانقسامنا من صديق قبل عدو ورفيق قبل معيق. لنكن عقلاء، ونوجه أنفسنا وشبابنا وبناتنا إلى ما هو أهم أعظم وأجل وأعمق، مما يجمع ولا يفرق، يبني ولا يهدم، يفتح آفاق خير ولا يغلقها، ولننطلق نحو حداثة وتجديد، ولنترك خلافاتنا جانبا، بل لنغلق عليها بابا موصدا من حديد، وعلينا أن نجعل بحزم كل القضايا التافهة آخر اهتماماتنا كترف فكري وعلى الأقل في هذه المرحلة الدقيقة الحاسمة من تاريخنا كعرب مسلمين، ورفقا بعقول شبابنا وبناتنا. دعوا الأجيال الجديدة تسير نحو قضايانا المصيرية المعاصرة، وصوب النجاح والإنجاز بهدوء وثقة وبلا ضجيج.