ربط الفنان التشكيلي فيليب تشانج بين الرسم ومجال غريب بعيد عن الفنون وهو "الطهو" ، وكانت هذه الطريقة الوحيدة للجمع بين شيئين يحبهما. وعندما يكون اللقاء مع رسام في أحد المعارض الفنية، فإن الحديث سينصب على المدارس الفنية وقصص اللوحات، ومصادر استلهامها، ولكن اللقاء جاء هذه المرة خارج ذلك السياق، إذ ينطوي على التعرف على جوانب أخرى في حياته، قد توازي في أهميتها الشيء الكثير للآخرين. تشانج فنان تشرب الروح الآسيوية والأميركية بإتقان، فهو صيني المولد، ياباني النشأة، أميركي الطموح، والعيش، والمواطنة، واللكنة. ولكن الجانب الآخر، والأكثر شهرة في حياته، أنه مؤسس سلسلة مطاعم صينية تنتشر في أنحاء العالم تحمل مسمى "بي.إف.تشانجز" (P.F Chang's")؛ ربط من خلالها فن إعداد الطعام بفن الرسم؛ فنقل رؤاه الفنية إلى عالم الطهو. "الوطن" التقت تشانج مؤخرا أثناء تدشين أحد فروع السلسلة، وتركز الحديث حول "ازدواجيته" المهنية من حيث ارتباط الرسم بالطهو لديه، فواحدة لكسب القوت، وأخرى لإشباع الشغف، وكذلك الثقافة التي يسعى إلى تكريسها في العودة إلى الطبيعة والبساطة والإتقان؛ سواء في الفن والرسم، إلى جانب تأثره بوالدته، التي كانت تمتلك مطعما صينيا فاخرا. يقول تشانغ "أنا فنان بالأصل، أما عمل المطاعم، فهو لكسب القوت، وتوفير حياة مادية مريحة، قد لا يوفرها احتراف الفن، وقد استفدت في ذلك من تجارب رسامين عالميين عاشوا فقراء، وبعد أن ماتوا صارت لوحاتهم تباع بالملايين مثل فان كوخ". يتمتع تشانغ بتعددية ثقافية تطبع شخصيته، فقد ولد في شنغهاي بالصين، ونشأ وترعرع في اليابان، ثم هاجر إلى الولاياتالمتحدة، والتحق بعدها بإحدى مدارس الفن الشهيرة في لوس أنجلوس، وكانت أمه تمتلك مطعما صينيا فاخرا في ضاحية "بيفرلي هيلز" (Beverly Hills) أواسط القرن الماضي، الذي يقطنه مشاهير "هوليوود"، وعمل فيه لفترة. وعن تأثره بها في جانب الطهو، يقول:"علمتني والدتي كيف أستمتع بالطهو، فأنا أحبه وتعلمته من الملاحظة. أما مطعمها، فقد بعته عام 2000، وهي متقاعدة الآن، وتبلغ من العمر 94 عاما، وهي بصحة جيدة". وحول فلسفته نحو الطعام والطهو، يشرح تشانغ: "رغم أنني لست طاهيا محترفا، أحب الاستمتاع بالطعام؛ وأهتم بالجانب الثقافي فيه، وأحرص على تعلم طرق الطهو، وتقديم أطباق تعود بنا إلى الماضي، أؤمن بالبساطة والأشياء الطبيعية في الرسم، والأمر ذاته ينطبق على الطعام. أحب الطعام الذي يطهى في أكشاك الشوارع؛ لأنه يظهر الطعم الحقيقي للأكل. وأعد الأطباق على هذا الأساس، لذلك أقدم للزبائن وجبات "متقنة" وليس "فاخرة". وحول القول الشائع بأن المطاعم الصينية خارج الصين لا تقدم الطعام الأصلي، وإنما توفر أطباق هجينة، صينية-أميركية، قال تشانغ إن "المواد الأولية لإعداد الأطباق الصينية قد لا تتوفر جميعا في الأسواق خارج الأراضي الصينية، فهناك أنواع من الخضار لا توجد إلا في بيئتها الأصلية، ولذا تتم الاستعاضة عنها بمواد أولية من الأسواق المحلية. كما أن نقص الطهاة المدربين، يجعل ذلك الاعتقاد سائدا". وأضاف أن "مجال المطاعم ليس سهلا أبدا، وبالذات في أميركا، وهناك بعض المهاجرين يفتتحون مطاعهم دون خبرة كافية، ويعتمدون على مواد أولية محلية، مما يجعل الطعم مختلفا في الصين عما هو خارجها لدى تلك المطاعم". وعن خططه المستقبلية للتوسع والانتشار، يقول تشانج "نحن لا نذهب إلى الأسواق بأنفسنا؛ لندرسها من أجل الانتشار، بل تأتينا دعوات من شركاء محليين في مختلف أنحاء العالم لافتتاح فروع أكثر. ما يهمنا في الأمر هو الإتقان". ورغم خبرته العالمية في الطهو الصيني، يقول: "أنا فنان بدوام كامل، أما عمل صناعة المطاعم، فهو عمل بدوام جزئي!".