يعبر التخطيط العمراني عن الهوية المستقبلية المنشودة لأي مدينة، وتختلف النظرة إلى أهمية التخطيط العمراني بقدر اختلاف المتخصصين في التخطيط العمراني أنفسهم على المعايير التخطيطية العامة، وأبعد منه الاختلاف كذلك في النظريات التخطيطية للمدن من حيث الانتشار أو التمركز، إيمانا من كل فريق بجدوى تطبيق هذه النظرية أو تلك، إلا أن كثيرا من هذا الاختلاف لا يعدو كونه اتباعا وإيمانا بنظريات تخطيطية بائدة، والأجدى من المخططين اليوم تعدي نقاط الاختلاف في المدن القائمة على الأقل والتحرك إلى بحث بعض النقاط الغامضة في التخطيط العمراني، التي تؤثر وبشكل كبير في تنمية ونمو المدن وعدم الاستمرار في تجاهلها أو على الأقل عدم الجهل بها من مسؤولي تخطيط المدن. فأحد أهم هذه النقاط التي يتم تجاهلها عنوة على مستوى التخطيط العمراني للمدن من قبل المتخصصين في التخطيط العمراني هو اقتصاديات المدن والتمويل، فتركز التفكير اليوم بالاعتماد الكلي على التمويل الحكومي في تخطيط المدن والمشاريع وسد احتياجاتها من خلال الميزانيات السنوية العامة للدولة؛ مما أصاب المدن بترهل أدى إلى نشوء مدن متكررة في كل شيء وتسبب في قصور واضح تعانيه مدننا اليوم في عملية استكمال بعض أو كل البنية التحتية للمدن وازدياد شكوى مسؤولي المدن ومديري المشاريع فيها من عدم القدرة على الإيفاء باحتياجات المدينة وتغطية احتياجات ساكنيها ومع التوجه الحكومي في دعم وتأسيس مبادرات مشجعه للقطاع الخاص في مجالات وقطاعات أخرى إلا أنها سرعان ما تصطدم ببعض الأنظمة والتشريعات القائمة لبعض القطاعات والجهات الحكومية الأخرى وتجد طريقها للفشل، وكذلك اتخاذ بعض الجهات بعض القرارات والاجتهادات غير الدقيقة، التي لا تعبر عن تصور كامل لمستقبل المدن بل وتعتمد على مسؤولي هذه الجهات وعلى صلابتهم ونفوذهم وتتحكم علاقاتهم العامة بذلك. لذا أصبح لزاما تأسيس نموذج وطني للعقود التمويلية لتخطيط المدن، وذلك لمصلحة مستقبل المدن والبدء في التفكير بجدية في هذه التوجه؛ بحيث تكون هذه العقود مرنة وتراعي جوانب متعددة، وأن تكون هنالك فائدة مستقبلية من كافة المستفيدين من مستخدمي المدينة أنفسهم، وكذلك مشاركتهم في تنمية مدينتهم المشاركة الفعلية المادية والتقريرية لمستقبل المدينة، ويتاح للقطاعات التمويلية العمل جنبا إلى جنب مع مخططي المدن لدراسة الفرص الاستثمارية المتاحة لكل مدينة على حدة، وحسب توجهات المخططات الإقليمية لها إلا أن هنالك جانبا مهما جدا يجب التنبه له في القطاعات التمويلية بأن تكون المشاركة المجتمعية فاعلة وحقيقة من خلال رأس المال لهذه القطاعات، الذي سيسهم إيجابا في زيادة الدخل لساكن المدينة ويضعه أمام مسؤولية ملكية أمام مدينته ويحقق له الانتماء الفعلي للمدينة.