بعد الانتهاء من التسوق في أحد المراكز التجارية الكبرى بجدة، يتمهل أمين الصندوق "الكاشير" في تفحص ملصقات الأسعار "الباركود" وإزالة الأجهزة الإلكترونية الخاصة المثبتة بدبابيس الأمان على قطع الملابس والأثاث والبضائع الأخرى، الأمر الذي يثير استياء بعض الزبائن بسبب التأخر الحاصل، إلا أن سؤال "الوطن" عن سر تلك الإجراءات، أتى بإجابة غير متوقعة: "إننا نتعرض للسرقات بطرق مبتكرة، وبلغت خسائرنا في هذا الفرع 8 ملايين ريال عام 2013، ظهرت لنا وقت إجراء الجرد السنوي المعتاد، وهناك فرع آخر خسر 13 مليون ريال؛ نتيجة نشل الزبائن لكثير من البضائع، والنجاح في الإفلات من رقابة الكاشير ورجال الأمن". النشل وتهريب البضائع من داخل المتجر إلى خارجه عن طريق التحايل مشكلة تؤرق قطاع البيع بالتجزئة في المملكة، ورغم تركيب عدد من آلات المراقبة والغرف التلفزيونية؛ لا يزال "نشالو المتاجر" قادرين على حمل ما يستطيعون؛ دون دفع الحساب أو اللجوء إلى أساليب مبتكرة حدثنا عنها أحد الموظفين في متجر للمفروشات في جدة. يقول الموظف عبدالله: "نخسر سنويا بين 1-1.5 مليون ريال، ولا نعرف أننا خسرنا إلا وقت إجراء الجرد السنوي، الذي يعد هامش الخطأ فيه ضئيلا، إذ يحسب عدد القطع التي دخلت إلى المتجر، والأعداد المباعة بالفعل. ورغم ذلك، تظهر لنا فروقات كبيرة، تقدر بالملايين، ما يعني اختفاء قطع بعينها وخروجها من المتجر، متسربة من صفوف الزبائن، إلا أننا بتنا نكتشف أساليب النشل، ونحاول محاربتها". وحول تلك الأساليب التي وصفها الموظف بأنها "مبتكرة"، يشرح: "معظم عمليات النشل والتهريب، تحصل في أوقات الذروة؛ عندما تكون صناديق الكاشير في أوج عملها، فهناك أسلوب يتضمن وضع ملصق "الباركود" لقطعة رخيصة على قطعة أغلى ثمنا، فيحصل على الأخيرة بثمن بخس. وهناك بعض النساء اللاتي ينتهزن فرصة صعوبة إجراء تفتيش جسدي من أجل إخفاء بعض القطع تحت الملابس أو في الحقائب الشخصية". ويضيف الموظف: "أن هناك من يضع بعض البضائع في الجزء السفلي من عربة التسوق ولا يدفع ثمنها، مستغلا انشغال الكاشير؛ للخروج بالبضائع بشكل نظامي ومن البوابة الرئيسية، مما يعني أنه دفع ثمنا أقل لأغراض أكثر". وهناك أسلوب آخر يتمثل في وضع بعض البضائع الأصغر حجما ضمن العبوات الكرتونية الأكبر حجما، والاكتفاء بدفع ثمن قطعة واحدة، فيما القطعة الأخرى مخفية، والخروج مع عامل العربة وكأن شيئا لم يكن. أما بالنسبة لأساليب محاربة الظاهرة، فيقول عبدالله، "إنها تحدّ من الظاهرة، ولكنها لا تقضي عليها. فغرف المراقبة لا تستطيع أن تراقب جميع الناس طوال الوقت. كما أن بعض "النشالين" استطاعوا اكتشاف طرق إزالة دبابيس الأمان بآلات خاصة، ولكن حفر "الباركود" على السلعة نفسها، وكذلك اليقظة وتفعيل دور الرقابة السريعة لدى الكاشير وعاملي العربات وحراس الأمن الخاص؛ هي ما قد يجدي..على الأقل حتى الآن". الخبير الاقتصادي عبدالرحمن الأحمدي يقول: "لا توجد إحصائيات رسمية دقيقة لخسائر متاجر التجزئة جراء عمليات النشل، فالمتاجر تتكتم على الأرقام الحقيقية. أما جمعيات المجتمع المدني مثل جمعية حماية المستهلك، فإنها لا تتطرق إلى الموضوع في الحملات التوعوية". ويضيف: "تبقى التوعية باحترام الحقوق والحفاظ عليها هي الأهم بالنسبة للمجتمع. وينبغي الاستفادة من تجارب المتاجر المحلية والعالمية في الحد من النشل، وطرح الموضوع بشفافية في وسائل الإعلام".