على غير العادة ، وبدلاً من أن أتناول سماعة الهاتف للاطمئنان على الأهل في الوطن والسؤال عن الأحوال، كان السؤال هذه المرة عن أوضاعهم بعد الهزة الأرضية التي شهدها جنوب المملكة مساء الخميس الماضي، جاءني الرد مطمئناً ولله الحمد خصوصاً أن بعضهم كان يتلقى خبر الهزة الأرضية مني لأول مرة! على مقياس ريختر لم تتجاوز قوة الهزات الثلاث المحسوسة خمس درجات، وهو ما يفسر عدم شعور الكثير من السكان بها بينما شعر البعض الآخر. في وسائل التواصل الاجتماعي بدا الأمر مختلفاً، لقد كشفت الأيام القليلة الماضية عن انحسار شديد في مقياس الوعي بالتعامل مع تلك الشبكات لدى شريحة كبيرة من المستخدمين، التقنية سلاح ذو حدين دائما، وفي ظل بطء وسائل الإعلام التقليدي في التفاعل الفوري والسريع مع الخبر وهو بطء قد يُفسر بأولويات التثبت من المعلومة وتقديمها في قالب علمي بعيد عن الارتجال، بل حتى مستوى اللغة المستخدمة ودقة تعابيرها في مثل هذه الحالات هو أمر من الضرورة بمكان، إلا أن حضور الإعلام عموماً في الوقت المناسب وخروجه للناس بالمعلومة الدقيقة من شأنه أن يقطع الطريق على المعلومة الزائفة والحقيقة المفبركة التي تجد لها فضاء واسعاً تحلق فيه عبر وسائل الإعلام الإلكتروني. على مقياس الإنسان البسيط لم يكن الأمر اعتيادياً أن يشعر بالأرض تهتز من حوله، الحدث مربك بالأساس وحين يكون الوعي للتعامل في مثل هذه الحالات ليس حاضراً في ذهنية ذلك المواطن فإن الأمر يكون بلا شك أكثر إرباكاً، لقد كشف تفاعل بعض المستخدمين عبر موقعي التواصل الاجتماعي تويتر وفيس بوك عن فجوة كبيرة بين المعلومة الصحيحة والزائفة كانت كفيلة بخلق بلبلة كنا في غنى عنها لو كانت ثقافة التعامل مع الكوارث الطبيعية واتباع وسائل السلامة حاضرة سلفاً لدى شريحة عريضة من أولئك المستخدمين، كثيرون على سبيل المثال أبدوا تذمرهم من تأخر الدفاع المدني في التنبؤ بموعد الهزة التالية! ومن المعروف علمياً أن ذلك أمرٌ غير ممكن في الوقت الحاضر فلا أحد يمكنه التنبؤ بموعد الهزة الأرضية ولا موقعها ومدى شدتها. البعض الآخر ممن يعانون من تدنٍّ شديد على مقياس أمانة الكلمة والضمير الحي وجدوها فرصة للتفنن في فبركة الصور ونشر التصريحات المغلوطة على لسان المسؤول حول الإعلان بهزات مدمرة في توقيت محدد فيما يعكس جهلاً واضحاً صريحاً. إن ثمة خيطا رفيعا بين نشر الوعي بهدف أخذ الحيطة وتوخي الحذر وبين المبالغة والإسراف في تضليل الرأي العام بهدف نشر الذعر والهلع، المختصون في المجال وعبر حساباتهم الشخصية أو تصريحاتهم للصحافة الورقية والإلكترونية حاولوا الإدلاء بآرائهم في الأيام القليلة الماضية، وكان لذلك دور في طمأنة الرأي العام، لكنه يظل جهد المُقل مقارنة بتعطش المتلقي للمعلومة الدقيقة والفورية على مدار الساعة، وهو ما لم يكن حاضراً للأسف. نحن نؤمن بأنه لا يُغني حذر من قدر، وبأن حوادث الكون هي من آيات المولى عز وجل، ولكن التسليم بالقضاء والقدر لا يتعارض حتماً مع الأخذ بأسباب حماية الأرواح وسلامة الممتلكات، وهو ما أعتقد أنه بات ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى على صعيد مؤسسات المجتمع الأمنية والتربوية والاجتماعية في النزول إلى الشارع والذهاب بالمعلومة التوعوية والإرشادية إلى الموظف في مقر عمله وإلى الطالب في مدرسته وإلى السكان في مختلف مدنهم ومحافظاتهم وقراهم. خصوصاً أن كثيراً من الدراسات والتقارير والتجارب في مختلف أنحاء العالم - بحسب الموقع الإلكتروني لمديرية الدفاع المدني- يؤكد أن الرعب وعدم التصرف السليم من قبل الناس عند حدوث الهزة الأرضية يؤدي إلى الزيادة في أعداد الخسائر وعلى عكس ذلك تماما عندما يكون هناك إعداد نفسي مسبق وتهيئة للحذر من أخطار الهزة الأرضية بإبلاغ الناس بالتعليمات الهامة المتبعة أثناء الهزة وبعدها وتثقيفهم بنشر المعلومات عن أخطار الزلازل وما يجب أن يتخذوه من احتياطات. نحو ارتفاع المؤشر على مقياس الوعي والسلامة لا بد أن نتحرك ونبادر، وعلى مقياس ريختر نسأل الله أن تنحسر شدة الهزات الأرضية وتتلاشى، سلّم الله الجميع وحفظ وطننا من كل مكروه.