يعمد البعض قاصدا إلى الخلط بين الموروث والمستحدث من عادات المجتمع، ويعمل على تجذير هذا الخلط من خلال محاولة إعطاء المستحدث صفة ضامنة تدعم بقاءه في دائرة الموروث، ولعل فيما نسمعه من تبريرات ذات نبرات عالية تنافح عن هذا الخلط؛ ما يعطينا الدليل الصارخ على صحة هذا الاستنتاج. نعم لنا أن نعتز بالموروث، ولكن بالشكل الملائم لمستوى ذلك الموروث وقيمته، أما أن نشطح بتصرفاتنا ممعنين في هذا الشطح الذي يعمل على تعميق موروث شعبي على حساب آخر، ويدفعنا عن دائرة الاعتدال لنتكدس في مرامي التهويل والمبالغة، فهذا تصرف يدعو إلى الدراسة المستفيضة، التي تهدف إلى موازنة الأمور وحفظ الموروث بشكله الطبيعي، والعصمة من الانزلاق في دوائر المبالغة. لم يذكر لنا التاريخ العربي أن هناك قبيلة عربية أقامت مهرجانا لمزايين الإبل، مما يخرج المهرجانات الحالية من دائرة الموروث ويضعها في دائرة المستحدث وبكل جدارة، فبما أن هذه المهرجانات ليست موروثا، بل شكل مستحدث يأخذ أدوات الماضي وعناصره، ويشكل منها هيئة هجينة تتجلى في صورتها النهائية بشكل مستحدث لا يقبل إلصاقه بالموروث أبدا، أو نسبته إليه، فليس أمامنا إلا أمر من أمرين: الأمر الأول: إيقاف هذه المهرجانات على أن يكون هناك بديل يتمثل في شركات وطنية، تعمل على تحسين سلالات الإبل وتوفيرها للمستهلك بالسعر العادل. الأمر الثاني: إن تعذر التطبيق للأمر الأول، تبقى هذه المهرجانات ولكن ضمن مهرجانات أخرى، مع اتخاذ الصرامة القصوى في تعديل السلوكيات السيئة المرافقة لهذه المهرجانات، وإحلال سلوكيات جديدة وجيدة بدلا عنها، ولعل مما يجب إحلاله واستحداثة في هذا الأمر يتمثل فيما يأتي: 1- تجريم إثارة النعرات القبلية، ومعاقبة من يثيرها. 2- تقنين الشعر وقصره على أغراض شعرية محددة، بحيث لا يجوز للشاعر استجرار الماضي وإسقاطه على الحاضر بطريقة تضع من شأن الآخرين، وتجرح مشاعرهم. 3- تحجيم العصبية القبلية، إذ لا يُسمح لأي كان شاعر أو خطيب أن يتباهى بعصبيته أمام وسائل الإعلام، واضعا قبيلته في أسمى مراقي المجد، بينما يضع الآخرين بمراحل دون مستوى قبيلته، بأسلوب يجعل التاريخ مشوها ومزورا في كثير من حالاته. 4- إقامة مهرجانات مرافقة لهذا المهرجان، يتم فيها تكريم المبدعين والمخترعين وإبرازهم إعلاميا، ومنحهم جوائز مجزية. 5- تكريم الشعراء الذين ناؤوا بأنفسهم عن الخوض في إثارة النعرات القبلية، واقتصروا على أغراض الشعر الأخرى، التي تسهم في حفظ كيان المجتمع وتماسك لحمته. 6- تكريم رجال الأعمال الذين لهم إسهامات إنسانية تخدم المجتمع، وتصب في مصلحته. 7- تكريم رجال الأمن، أصحاب الجهود الأمنية المثمرة، وتشجيعهم وتحفيز زملائهم من خلال ذلك التكريم على الرقى بمستوى العمل الأمني. 7- تكريم المسؤولين التنمويين المتميزين في تقديم الخدمة التنموية في مجالات التنمية كافة. 8- وضع مهرجان الإبل جزءا من هذ الكرنفال الوطني الكبير المتكون من النقاط المشار إليها أعلاه، مع تأكيد العمل على تعميق الوطنية في نفوس الجميع. حفظ الله بلادنا من كل مكروه وأدام عزها، وألبسها لباس الأمن الدائم.