أقر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بوجود ما وصفه ب"لعبة تحالفٍ" ضمني، بين نظام دمشق، والمتطرفين في سورية، لتبرير ما اعتبره "قمعاً"، يرمي لمنع التوصل إلى حلٍ للأزمة السورية. وجاء هذا الإقرار في المؤتمر الصحفي الذي عقده في العاصمة الرياض في ختام اليوم الأول في زيارة يقوم بها إلى المملكة، والتقى خلالها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وعن مباحثاته مع الملك عبد الله بن عبد العزيز، قال هولاند "في محادثاتنا مع خادم الحرمين الشريفين ذهبنا لأقصى الحدود في كيفية تطرقنا لأزماتنا الإقليمية. أقدر حكمة الملك عبد الله في هذه المواضيع، لأنه يتحلى برقي النظرة لحل هذه الأزمات". وعدّ الرئيس الفرنسي الذي أشاد بحكمة الملك عبدالله ورؤيته ورغبته بإيجاد حلول لجميع الأزمات المطروحة في الساحة، لاسيما سورية ولبنان، أن موقف بلاده مشابهاً لموقف المملكة فيما يتعلق بالأزمة السورية، وقال "المملكة العربية السعودية وفرنسا لهما الموقف ذاته من حيث البحث عن حلٍ سياسي، وتسهيل العملية الانتقالية في سورية. وندعم في الوقت ذاته المعارضة المعتدلة ودعم الائتلاف الوطني السوري. نحن نعي تماماً الدور المهم الذي تلعبه السعودية في مكافحة الإرهاب. وعلى هذا الأساس نحن نلعب منذ عدة شهور". من جانب آخر، قال هولاند إن تحالفاً ضمنياً قائماً بين نظام الأسد وقوى متطرفة في سورية، يمنع "الحل السياسي" للأزمة السورية. واعتبر الرئيس الفرنسي الذي يقوم بزيارة رسمية للمملكة، أن الفكرة من انعقاد مؤتمر جنيف 2، هي الحل السياسي، أو كما قال "لإيجاد عملية انتقالية، وليس لتمديد ما يحدث حالياً"، في إشارةٍ إلى تصاعد وتيرة العنف، التي جاء هولاند على ذكرها، بوصفه ما تتعرض له حلب على يد قوات النظام، التي اتخذت القتل بالبراميل المتفجرة سلوكاً لها، استباقاً لمؤتمر جنيف 2 المقرر عقده في الثاني والعشرين من شهر يناير المقبل. وأوضح أن المملكة وبلاده، تعلمان أن الأسد استخدم السلاح الكيماوي في سورية، وطالب في الوقت ذاته بإنهاء الأزمة السورية، جراء تداعياتها على لبنان، والمنطقة برمتها. وأسهب في الحديث عن المجازر التي ترتكبها قوات الأسد، وقال "هناك قصف على المدنيين ومجازر مروعة ترتكب. نريد الانتهاء من هذا الوضع المروع. نحن نتشارك مع الرياض في الموقف ذاته والرغبات". وقال "سألتقي برئيس الائتلاف الوطني السوري، بهدف الوصول إلى حل سياسي، لا يمكن أن يتحقق مع النظام الحالي". وعن الملف الإيراني، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، "لقد سمعنا تصريحات من الرئيس الإيراني، والتقيته في نيويورك، وقلت له الكلام جيد، لكن الأفعال أفضل، بما في ذلك حل للأزمة السورية.. لقد حددنا مطالب بالنسبة للاتفاق النووي، ولا نزال ساهرين.. ومتيقظين". ومضى هولاند يتحدث عن الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة الدول ال5 + 1، "نريد أن نضمن ونتأكد أن إيران ستتخلى عن السلاح النووي. نحن دائما على استعداد للعمل على بناء الجسور والحديث مع كل الدول، بما في ذلك إيران. ما نريده هو الأفعال التي سنحكم عليها. العقوبات لن ترفع إلا إذا أقرت إيران الاتفاق وضمنا أنها ستتخلى عن سلاحها النووي، نحن قادرون على المضي قدماً بما يكفل استقرار المنطقة. استقرار هذه المنطقة من أهم أولوياتنا". وعن لبنان، قال الرئيس الفرنسي إن بلاده تلعب دوراً هاماً من حيث الالتزام بمساعدة، هذا البلد الذي يمر بأزمة، مع تدفقات اللاجئين، وضمان جمع كل اللبنانيين في لحظات أليمة جداً"، مشيراً إلى تشييع الوزير السابق محمد شطح، الذي لقي مصرعه أمس الأول في عملية تفجيرٍ شهدها قلب العاصمة اللبنانيةبيروت. وأضاف في حديثه عن لبنان "فرنسا منذ فترة طويلة قدمت وتقدم تجهيزات للجيش اللبناني وسنستجيب لكافة المطالب التي تقدم لنا. لبنان يجب أن يبقى موحدا، ويجب ضمان أمنه واستقرار كل مكوناته. لنا علاقات مع سليمان وتواصلت معه مؤخراً في عديد من الأمور. وعن الأوضاع التي تشهدها مصر، قال الرئيس الفرنسي إن بلاده تدعم خارطة الطريق الانتقالية في مصر". وأكد الرئيس الفرنسي على متانة العلاقات السعودية الفرنسية في كل المجالات، مشيراً إلى أن التبادل التجاري تعدى حاجز ال8 مليارات يورو، وأن فرنسا تحتل المرتبة الثالثة في قائمة الدول الأكثر تعاملاً مع المملكة في المجال التجاري. وأوضح هولاند أن اجتماعه مع خادم الحرمين الشريفين تطرق إلى تعاون البلدين المشترك في مجالات عدة مثل التجارة والصناعة والصحة، إضافة إلى التبادل المعرفي والثقافي. وقال هولاند: "هناك العديد من الشركات الفرنسية تعمل في السعودية وسأتحدث اليوم مع ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في هذا الشأن"، مشيراً إلى أن الشركات الفرنسية تعمل في مجالات عدة على رأسها صناعة الغواصات والمدمرات والأقمار الصناعية والصواريخ، مضيفاً: "الفكرة هي كيف نحقق أكبر قدر من الأمن في المطنقة وليس في نهج هجومي وعلى هذا الأساس نعمل مع المملكة". وفي مجمل حديثه عن الشركات الفرنسية، أكد الرئيس الفرنسي استعداد قطاع الأعمال الفرنسي للمشاركة في مشاريع المملكة الحالية، لا سيما في مجالات النقل والطاقة المتجددة، كاشفاً عن اجتماع مرتقب في شهر مارس المقبل سيناقش التعاون في مجالات الطاقة النووية السلمية ومشاريع النقل. وأضاف هولاند: "كل العقود التي وقعتها باريس والرياض في العام 2012، كان لها الدور في خلق فرص عمل، وهذا أمر مبني على الثقة السياسية"، مشيراً إلى توقيعه اتفاقية أمس مع خادم الحرمين الشريفين في المجال الصحي، وصفها بالهامة جدا لتطوير مشاريع الصيدلة والأبحاث. وتحدث هولاند عن وجود اتفاقية شراكة اقتصادية ومالية، تمت مناقشتها، وتهدف إلى تحفيز الابتكار والاستثمار والنقل، إلى جانب النقاش المستمر حول التعاون في مجالات النقل والمسافرين في القطارات السريعة ومجال الطيران والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى المبادرات الثقافية والتعليمية، معتبراً هذا التعاون إشارة ثقة لمتانة العلاقات بين البلدين. "فرنسية" الزميل الحمادي تحوز إعجاب "هولاند" الرياض: الوطن بدا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، مهتما ومنبهرا، حينما كان الزميل يوسف الحمادي مسؤول القسم الاقتصادي بمركز الرياض الإقليمي بصحيفة "الوطن"، يطرح تساؤلا عليه خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في العاصمة السعودية أمس. أما سر انبهار هولاند، فيعود لأن الزميل الحمادي فضل أن يطرح تساؤله على الرئيس الفرنسي بلغة هولاند الأم. وحينما كان الزميل يهم بطرح التساؤل عليه، أمسك الرئيس الفرنسي بقلمه، وأخذ يدون باهتمام تفاصيل السؤالين. السؤال الأول، كان يتعلق بالتوافق السعودي الفرنسي حول الأزمة السورية، أما السؤال الآخر، فاقتبس فيه الزميل تصريحا سابقا لفرانسوا هولاند حول مدى الجدوى من انعقاد مؤتمر "جنيف2" إن كان سيتمخض عن نقل السلطة من الأسد إلى الأسد. وقبل أن يجيب الرئيس الفرنسي على سؤالي الزميل الحمادي، ابتسم وقال "قبل أن أجيبك أحب أن أهنئك على إجادتك للغة الفرنسية". وفي ختام المؤتمر وقبل أن يغادر الرئيس الفرنسي استوقف الزميل الحمادي وصافحه باهتمام وسأله "أين تعلمت اللغة الفرنسية؟"، وأجابه في جامعة الملك سعود.