في الوقت الذي بدأت تكشف فيه ميزانيات المؤسسات الإعلامية العامة مثل "هيئة الإذاعة والتلفزيون" و"وكالة الأنباء السعودية" و"الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع" التي لم تعد تحت سلطة وزارة الثقافة والإعلام ماليا وإداريا، يبقى الوضع المادي للجهة الممثلة نظريا ل"الثقافة" وهي وكالة الوزارة الشؤون الثقافية، غامضا وغير مفهوم للمهتمين بالشأن الثقافي السعودي. ومع أن "الشؤون الثقافية" تعتبر "الابن المدلل" حاليا للوزارة التي تجاوز عمرها ال 50 عاما، إلا أنها لم تستطع الآن أن تقول انتظروني سأكون أكثر "مالا" في الأيام المقبلة! فالتساؤل المهم هنا هو: هل سيحظى هذا "الابن" بما يسد رمقه؟ وهل سيأخذ نصيبا أكبر في ظل خروج الأبناء الآخرين الإذاعة والتلفزيون ووكالة الأنباء من قسمة (الأب/ الوزارة)؟ هذا ما يأمله وينادي به المثقفون والأدباء في المملكة دائما وفي كل عام، ولكن في النهاية تبقى الأمور كما هي، فلا اعتماد وظائف رسمية، ولا اعتمادات مالية من قبل وزارة المالية والخدمة المدنية، ولا جديد.. فكل ما تتلقاه مؤسسات مثل الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون مجرد "إعانات" قد يذهب نصفها مكافآت للأعضاء دون فعل حقيقي. ولعل ما يبعث الأمل على أن هناك ضوءا في نهاية "النفق" هو التفاؤل الذي نشره وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة قبل أيام من إعلان الميزانية عندما قال ل"الوطن" أثناء تكريمه في "الإثنينية" بجدة: إن تحقيق مطالب المثقفين السعوديين يشكل لنا هاجسا في الوزارة، وبكل صراحة، إن الثقافة كانت مظلومة عبر تاريخها، لأنها كانت مرتبطة مع وزارات أخرى تأكل مخصصاتها المالية، فقسم يذهب إلى التلفزيون والإذاعة ومناشط أخرى، لكن مع تأسيس هيئة الإذاعة والتلفزيون وخروجها عن مسؤولية الوزارة فإننا نأمل أن تتحقق الأحلام التي تراودنا. ويعلق الشاعر إبراهيم طالع الألمعي على ضعف الدعم المالي للمؤسسات الثقافية قائلا: نحتاج إلى أن يقف مسؤولو وزارة الثقافة والإعلام وقفة جادة مع أنفسهم، فهل يعقل أن يكون دعمها للأندية الأدبية مجرد "إعانة" بمبلغ (مليون ريال )، وكأن منطقة كاملة من مناطق المملكة رجل معسر في إحدى البلدان فكت الحكومة عسره بقضاء دينه!! ولكل فرع من فروع جمعيات الثقافة أقل من قيمة سيارة وزير بعد تحسينها من وزارة المالية!! والتساؤل هنا: لم تبق ميزانية الثقافة والإعلام حبيسة مبنى الوزارة ولا تحاول "قسطستها" على مناطق الوطن؟ وكشف رئيس نادي الرياض الأدبي الدكتور عبدالله الحيدري عن مطالبة جماعية قدمها رؤساء الأندية الأدبية في المملكة قبل عدة أشهر لوزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة، تنص على رفع ميزانية الأندية الأدبية من مليون ريال إلى 3 ملايين ريال سنويا، مؤكدا أن الوزير "خوجة" أبدى حماسا كبيرا لهذا الطلب، ورتب لهم لقاء مع سمو ولي العهد الذي أكد دعم الحكومة الدائم للنشاط الثقافي. وقال الحيدري: نحن بهذا الطلب برأنا ذممنا كرؤساء أندية أمام المثقفين والمبدعين الذين ينتظرون منا نشاطات أكبر وأشمل. وأنا شخصيا متفاءل بأن هذا الطلب سيتحقق بإذن الله في ميزانية هذا العام. أما رئيس نادي نجران الأدبي سعيد آل مرضمة فيقول"المثقفون يتطلعون دائما لمزيد من الاهتمام والعناية بمواهبهم التي هي رفيقتهم في الحياة.. والميزانية العامة للدولة يجب عليها أن تقدم للمثقفين القدر الوافي من الدعم الذي يواكب ويوازي تطلعاتهم ليستطيعوا المضي قدما نحو طموحاتهم، فمجتمعنا يزخر بالمواهب الشابة الصاعدة التي تحتاج للتبني ودعم مسيرة الوطن الغالي، وهم يحتاجون قدرا وافيا من الدعم الذي يعينهم على الطباعة والنشر لإبداعاتهم والعمل على تنظيم اللقاءات الفكرية والمهرجانات الإثرائية وما يرقى بإبداعهم نحو المنافسة العالمية وما يواكب ذلك من تقنية عالية". وأضاف آل مرضمة "بصفتي رئيسا للنادي الأدبي الثقافي بنجران.. أكرر على الطلب الذي ينادي به رؤساء الأندية الأدبية، وهو رفع الإعانة السنوية للأندية الأدبية والتي لم تتغير منذ أربعين عاما وأصبحت لا تتواكب مع تطلعات المثقفين.. ولما للأندية من أدوار كبيرة في خدمة الثقافة والمثقفين في ظل تنامي التطلعات وتوسع رقعة المثقفين في بلد العطاء والنماء". ويرى مراقبون أن عدم إعلان الميزانية الحقيقية لوزارة الثقافة والإعلام، وبالتالي معرفة نصيب وكالة الشؤون الثقافية منها أمر يجب ألا يستمر، حيث إن كشف المبلغ الحقيقي لميزانية الوزارة يعطي مؤشرا شفافا عن مدى مصداقية ما يقوله القائمون على الشؤون الثقافية من ضعف الميزانية المخصصة لهم، فمن المعروف أن الجمعيات التي تأسست بالانتخاب مثل جمعيات المسرحيين والتشكيليين والمصورين والخطاطين بقيت أحبارا على أوراق متراكمة بدأت تميل إلى الاصفرار، ولم تخرج إلى الواقع بشكل جاد، وكل ذلك لعدم وجود مخصصات مالية لها. يذكر أن ميزانية "هيئة الإذاعة والتلفزيون" ارتفعت هذا العام إلى أن وصلت (1.000.490.870) بعد أن كانت (1.630.797.000) ريال في العام المنصرم، أما ميزانية وكالة الأنباء السعودية فارتفعت من(182.760.000) ريال لتصل هذا العام إلى (299.000.270)، كذلك ارتفعت ميزانية الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع من(7.000.000 ) ريال العام المنصرم لتصل هذا العام إلى (34.000.500). كثيرون من القيادات الثقافية يجأرون بالشكوى من ضآلة الدعم المادي، ولعل آخرهم مدير جمعية الثقافة والفنون عبد العزيز السماعيل الذي صرح بأن الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها الجمعية تكاد تهدد استمرار الأنشطة وتنظيم الفعاليات.