بين أكوام النفايات والحاويات المكدسة بالقمامة، ووسط عمليات تجميع علب المشروبات الغازية والألمنيوم، حكايات وحكايات، يروي عمال النظافة بعضها، ويحملون في صدورهم البعض الآخر لا يبوحون به، وفي أحد أزقة المدينةالمنورة رصدت "الوطن" في زي عمال النظافة كواليس الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية لعدد من العمال، كواليس حياتهم الاجتماعية في رحلة استمرت لأكثر من 5 ساعات متواصلة. الملاحظة الرئيسية التي يكتشفها أي متحدث مع هؤلاء العمال هي أن 75% منهم يفتقرون للحد الأدنى من الثقافة الإسلامية، ويقول أحدهم": في كل مناسبة دينية يكثر النقاش بيننا حيال التعاملات الدينية الصحيحة، من صيام رمضان إلى شعائر العمرة والحج". ومن أكثر الموضوعات التي تثير بداخلهم الشجن وتدفعهم للصمت في حزن ذكرى زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه، حيث يعملون أغلب الوقت حوله وبالقرب منه، وعلى الرغم من ذلك فهم يشتكون من عدم استطاعتهم الصلاة داخل المسجد، ويعللون ذلك بمحدودية تحركهم في إطار عملية التنظيف والضغط الشديد الذي يعملون تحته من قبل الشركة المشغلة، والتي يؤكد مشرفوها دوما لهم بأنهم جاءوا هنا فقط للعمل. شكوى أخرى باح بها عمّال النظافة، ضمن حديثهم عن معاناتهم اليومية، تمثلت في اتساع الفجوة بينهم وبين المؤسسات الدعوية العاملة في المدينةالمنورة، كمكاتب توعية الجاليات والشؤون الإسلامية والجامعة الإسلامية، حيث لا توجد أية وسيلة للاتصال بهم أو توعيتهم بشؤون دينهم. ووفقا للعمال فإن ما يجنونه من فرز الحاويات وبيع المعادن البسيطة للمصانع التي تعيد تدويرها يمثل ضعف راتبهم الشهري، الذي لا يتجاوز ريالاً واحداً في الساعة، ويمثل ذلك العمل تعويضاً عن ضعف راتبهم الشهري المقدر ب250 ريالاً للعامل الذي يعمل في نظافة مساحة تقدر ب2 إلى 3 كيلو مترات يومية، إضافة إلى القيام بأعمال أخرى للحصول على القليل من المال كغسل سيارات المارة. ويذكر عاملا النظافة بلال وصديقه فداء، أنهما يبدآن عملهما في الثانية بعد الظهر ويستمران في العمل حتى الحادية عشرة مساء يوميا، لكن الملفت أن بلال يركز على حفظ القرآن الكريم حيث يداوم يومياً على الذهاب للتحفيظ من بعد صلاة الفجر وحتى السابعة والنصف صباحاً، ويحفظ القرآن من خلال مساعدة صديقه عامل النظافة في الشارع المقابل لجهة عمله. وعلى الرغم من الحياة القاسية التي يعيشها عمال النظافة إلا أن بعضهم لم يرض أن يتخلى عن هوايته القديمة التي كان يحبها ويمارسها يوما ما فيقتنص الفرصة من وقت إلى آخر ليعود إلى ممارستها ولو لدقائق معدودة، فيقول بلال إن هوايته المفضلة والتي يعشقها بشكل جنوني هي الرسم، وحينما تسأله عن آخر رسوماته يقول لك: " صورة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وهو يحمل سيفاً"، وبلال من الجنسية البورمية ولم ير عائلته منذ أربع سنوات، إلا أنه يحمل حباً كبيراً للمملكة، وفي نفس الوقت يحمل ألماً من عدم احترام البعض لهم وهم يؤدون أعمالهم. ومع مجالسة جمع من العمال والإنصات إلى نقاشاتهم تجد أن أغلبهم لديه ثقافة إخبارية واسعة، تختلف كثيرا عن النظرة الخاطئة لهم من قبل البعض، وتتركز اهتماماتهم على أخبار بلدهم بالدرجة الأولى، ومن ثم تبعات القضية السورية والتطورات التي تحدث لها على المستويين الإقليمي والدولي. ويضيفون في شكل رسالة "لمن يهمه الأمر"، أن مهنتهم علمتهم النظافة الشخصية والترتيب عالي الجودة، فيقولون: "لا يمكن أن تجد عامل نظافة غير منظم، وتستطيع أن تلحظ ذلك من خلال ترتيب غرف معيشتهم، وغيرها من لوازم حياتهم الأخرى".