أجواء مخيمات حجاج الدول الإسلامية متشابهة فرحا وابتهالا بالحج، زحام في الممرات، وتجمعات وزيارات متبادلة بين مجموعة وآخرى، وفي المقابل سكون يلف مخيم الحجاج السوريين، لا تكاد تسمع فيه سوى دعاء "ما إلنا غيرك يالله". "الوطن" زارات مخيم الحجاج السوريين، وتجولت بينهم، واستطلعت آراءهم، أحدهم مستند على حائط صغير، تحاصر أفكاره مشاهد وقائع الشام، وثان اتجه للقبلة، يتضرع إلى الله طالبا سرعة الفرج والخلاص، وثالث تحدث إلينا بنبرات حزينة، تعلو مشاهد الحزن ملامحه وهو يقول بعبارات متقطعة "الله بينصرنا". آخرون استقبلونا ووجهوا للمملكة شكرهم على ما قدمته من تسهيلات للشعب السوري، عرفونا بأسمائهم طالبين عدم الإفصاح عنها، لأن الموت يلاحقهم حتى في مخيلاتهم، ولا يعلمون من أين يمكن أن يأتيهم الغدر. معظمهم من في هذا المخيم هم حجاج سوريون لاجئون في مخيم الزعتري بالأردن، وأخذ أحدهم يعرفنا على أسماء الآخرين، أسماؤهم أبو الشهيد فلان وأخ الشهيد فلان، ويخيل إلينا أن كل واحد منهم فقد أحدا من أسرته، وكلهم قاتلوا للدفاع عن أرضهم حتى فقدوا كل شيء يمكنهم من القتال وكانت نهايتهم اللجوء إلى المخيمات. وتحدث أحدهم - طالبا عدم الكشف عن اسمه - أن المملكة استقبلت هذا العام 3500 حاج سوري، بينهم 40 جريحاً تعرضوا لإصابات مختلفة من قبل جيش النظام، وتكفل فاعل خير من جنسية عربية - رفضوا ذكر اسمه -، بجميع تكاليف حج المصابين، إضافة إلى رعاية أسرهم في مخيم الزعتري. تحدثوا متتاليين، بينهم من حج 13 مرة، وبينهم من يحج لأول مرة، إلا أنهم اتفقوا على أن داءهم واحد، وهو النصر والتمكين، مشيدين باليسر والسهولة التي أصبح عليها الحج، بفضل ما طرأ على المشاعر المقدسة من مشروعات تطويرية سهلت على الحجاج والمعتمرين. وتحدث آخر عن فقده إحدى عينيه منذ الصغر، قائلا "أنظر لعيني اليمنى فقدتها في سن الثانية، كنت أرى بعين واحدة منذ 45 عاما، تمنيت لو أنني فقدت كل البصر ولم أشاهد مقتل سوري واحد، أو تعذيبه أمامي"، وفي أثناء حديثه الكل يستمع بصمت وجميعهم في ذاكرته رواية، تقدم شاب في نهاية عقده الثاني، ليقول "إنه يحج هذا العام عن أخيه الذي استشهد برصاص الشبيحة مطلع العام الجاري"، مضيفا أن الموت ليس غريبا في أرض تكون فيها طرق متعددة لاستباحة الآخرين.