أيام عصيبة يعيشها السوريون وهم يتابعون الأخبار التي تنهال عليهم حول الضربة التي تنوي الولاياتالمتحدة القيام بها ضد معاقل نظام بشار الأسد. حالة القلق الأكبر تمركزت في العاصمة دمشق، حيث بدت تتوشح بالبؤس البادي على وجوه عابري طرقاتها الذين أنهكتهم الحرب الدائرة منذ عامين ونصف، ومن لم يتأذ منها جسدياً تأذى نفسياً أو مادياً. فحديث الضربة المتوقعة، يعلو فوق كل حديث وما بين مؤيد ومعارض، كانت تحتد النقاشات في السر وفي العلن. كيف عاش الدمشقيون وسكان بعض المحافظات الأخرى الأيام التي مضت تعالوا نتابع: منذ يوم الاثنين الماضي والسوريون تنتابهم موجات القلق على مستقبلهم ومستقبل بلادهم بعد الأخبار التي تؤكد أن أميركا وحلفاءها سيقومون بضربة قاصمة للنظام، بدأت التحليلات وكثرت النقاشات، وفي المحصلة كانت الغالبية العظمى من الناس تريد أن ترى بداية النهاية من الأزمة التي يمرون بها منذ عامين ونصف. ويقول عمر أبو سليم (55 عاما) لا بد من أن يكون لهذه القصة نهاية .. كفى تعبنا وأعصابنا تلَفت.. فلتأت هذه الضربة، ومهما دمرت أو قتلت فهي لن تكون أكثر قسوة مما جرى لنا، ولن تدمر أكثر مما دُمر في سورية، ولن تقتل أكثر من الذين قتلوا في هذه الحرب، نريد الخلاص، لنعرف أين نقف وكيف نعيش".
توقعات وتفاصيل كثرت التوقعات والتحليلات بين الناس حول الضربة، منهم من يؤكد لزملائه أنها لن تطال البنى التحتية في البلاد، ولن تدمر بيوت الناس بل ستكون للمواقع العسكرية. هكذا يحاول رافع أن يقنع زملاءه بما سيكون، ويتابع بحماسة واضحة: يكفينا نحن نعيش كل يوم لعبة القط والفأر، لا بد من نهاية. ولكن سميح الذي يحاول أن يكون أكثر اعتدالاً لا يريد لأحد أن ينجر وراء الأحلام الذهبية التي يتم تسويقها ويتحدث عن أمثلة بما جرى في العراق وأفغانستان وغيرهما، ويقول علينا أن نقلع شوكتنا بأيدينا. فيما يورد عصام تفاصيل عن أماكن ومواعيد الضربة من خلال متابعته الحثيثة للوسائل الإعلامية مرددا: "جاء الفرج إنها قريبة". تلك حالة من مئات الحالات بل الآلاف التي كانت تتحدث عن الضربة العسكرية بعد أن أدمنت حديث الحرب طوال تلك الفترة من عمر الأزمة التي يمرون بها، وبات غالبيتهم يصنفون أنفسهم كخبراء عسكريين ومحللين سياسيين. الخميس الموعود ركز الناس في دمشق وبقية المحافظات على أن ليل الخميس سيكون موعد الضربة القاضية التي ستطال النظام، وبات التفكير في الساعة التي ستكون فيها، ومتى ينتهي اجتماع مجلس العموم البريطاني، وهل ستتخذ أميركا القرار بمفردها، وهل ستكون الضربة قبيل الفجر أم في صبيحة يوم الجمعة؟ كل هذه الهواجس سيطرت على الجميع، ومعها حالة من الرعب التي تجلت في سفر غالبية أبناء المحافظات الذين يقطنون دمشق إلى محافظاتهم خصوصاً أبناء الساحل، وبدت دمشق قليلة الازدحام منذ الصباح الباكر ليوم الخميس، فيما تغيب عدد كبير من الموظفين عن دوامهم خشية حدوث شيء ما يجعلهم لا يستطيعون العودة لمنازلهم. لهاث وراء الخبز شهدت الأفران في دمشق وبعض المحافظات الأخرى ازدحاما شديدا من الناس الذين تقاطروا لشراء الخبز كما لم يفعلوا من قبل، ووصل سعر ربطة الخبز (7 أرغفة) إلى 500 ليرة سورية، كما أكد لنا كثيرون ونحن نجوب على الأفران، وفي بعض الأماكن إلى أقل من ذلك، كما ازدحمت أفران "الصمون - الصامولي" وخبز السكري أيضا بالناس بالرغم من غلاء أسعارها أيضا، وبالمقابل زاد جنون أسعار المواد الغذائية بشكل كبير جدا، وأقبل الناس على شراء كل ما تقع عليه أيديهم، مما تسبب في فقدان بعض المواد والسلع الأساسية، وتسبب قطع الطرقات عن مدينة دمشق في عدم وصول الخضار إليها، فيما لاحظنا فقدان الحليب واللبن الرائب من الأسواق. اقبال على الدواء ويقول أبو صبري الذي تجاوز الستين من العمر وأنا أسأله عما يريد من وجوده بالصيدلية: إنني أحاول أن أشتري الأدوية الأساسية التي تنفع في حالات الحرب وتأمين بعض الضمادات والمسكنات وغيرها. فيما يؤكد الصيدلاني عبدالكريم غانم قائلا: في الأصل كنا نعاني من فقدان الكثير من الأصناف الدوائية بسبب توقف بعض المعامل عن الإنتاج وضرب بقية المعامل الأخرى، وجاءت هذه الأخبار لتزيد من معاناتنا، فهناك أناس منذ يومين يسألوننا عما يمكن أن يفيدهم من أدوية ليدخروه للوقت العصيب، بعضهم قام بشراء أغطية واقية للأنف والفم لمواجهة الأدخنة والكيمياوي، وهناك من اشترى موسعات صدرية وأدوية تتعلق بموضوع الغازات السامة خوفاً من حدوث أي شيء من هذا القبيل. جولة في الشوارع عادة يشهد حي الشعلان وشارعا الحمراء والصالحية وساحة عرنوس بدمشق ازدحاما كبيرا من الناس والسيارات، ولكن ليلة الخميس كانت شبه خاوية إلا من قلة قليلة، هم من أبناء المنطقة فقط، فيما ضرب طوق أمني مكثف على بقية الشوارع التي تحيط بالعاصمة من كل الجهات، تحسبا لأي شيء، فيما أغلقت المحلات أبوابها قبيل الساعة السابعة مساء، وبدت بقية شوارع العاصمة بلا روادها حتى في الأحياء الأخرى مثل المهاجرين وركن الدين والميدان وكفرسوسة. البحث عن ملاجئ بعض العائلات التي التقيناها سألناها عما يمكن أن يفعلوه لو حدثت الضربة فجر الجمعة، قال أبو غاندي: ماذا عسانا أن نفعل سنجلس في بيوتنا ونتبع قواعد الأمان، والبناية التي نقطنها كما هي غالبية أبنية دمشق بلا ملاجئ. أما أم جود فقالت: لقد جهزت أهم الحاجيات التي يمكن أن نحملها فيما لو حدث شيء يمكن أن تمتد آثاره إلينا، وكوننا في وسط دمشق قد تمتد النيران إلينا، لذلك أعددت شنطة صغيرة فيها أوراقنا وأموالنا، وشنطة أخرى لثيابنا، وهي ليست ثقيلة من أجل أن نغادر بسرعة. قصف مستمر يوم الأربعاء فقط كان الهدوء يسيطر على ليل العاصمة التي أتعبها صوت القذائف وراجمات الصواريخ التي باتت تخرج حتى من بين الأحياء، ولكن ليل الخميس كان صاخبا جدا وامتد القصف العنيف إلى صباح يوم الجمعة من دمشق إلى أحيائها المنكوبة والريف الذي أتعبه الحصار القاسي من قبل قوات النظام.. إلا أن هذا القصف والاقتتال كان داخليا ولم تأت الضربة الخارجية بصواريخها ومدمراتها. "تلجراف" تؤكد انفراد "الوطن" أبها: نزار عبدالباقي أكدت صحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية واسعة الانتشار في عددها ليوم أمس الرابع من سبتمبر على الخبر الذي نشرته "الوطن" بتاريخ 1 سبتمبر عن تدريب الولاياتالمتحدة لمقاتلين سوريين لتشكيل فرقة للتدخل السريع إذا حدث انهيار في الأوضاع بعد الضربة العسكرية المتوقعة على نظام دمشق. وبحسب المعلومات التي حصلت عليها "الوطن" فإن مجموعات من السوريين الخارجين على نظام الأسد، يتمركزون في مواقع متاخمة مع الحدود، للدخول سريعاً إذا ما تطلب تطور الأمور العسكرية تدخلهم. وأتم المقاتلون تدريباتهم بحسب المصادر الخاصة للصحيفة، على عمليات القتال السريعة، على يد قوات أميركية، وخضعوا لعمليات تدريب مكثفة على حروب الشوارع والمدن، في إشارة إلى احتمال تطور الأحداث، مما قد يستدعي تدخلهم السريع، لمواجهة ما قد تشهده سورية من تطورات بعد تلقي نظام الأسد الضربات الأميركية المنتظرة.