يخوض السارد في رواية "حلا" لكاتبها ضياء الراشد، وصفاً دقيقاً لبوح "حلا" والدة "رغد" الخفي، إضافة لموضوع غاية في التعقيد من خلال سبر أغوار طفلة مصابة "بالتوحد" رغد أدت لحدوث مشاكل لديها في الاتصال بمن حولها، إضافة لاضطرابات في اكتساب مهارات التعليم السلوكي والاجتماعي - اضطرابات في الطيف الذاتي، (Autism Spectrum Disorders - ASD)- المؤثرة على العلاقات الاجتماعية المتبادلة، كاللغة والسلوك. (أقنع الدكتور رشاد صديقه الدكتور سهيل بالقدوم لعلاج طفلة مصابة بالتوحد، كونه الأشهر في علاج مثل هذه الحالات). (أثارت دراسة الملف الخاص بالطفلة "رغد" مشاعر الدكتور سهيل، كونها نفس الحالة التي عايشها، وكانت سببا في دراسته "الطب النفسي للأطفال"، الطفلة أعادته لزمن ماضِ (تذكر.. ابنته الوحيدة، ابتسم وهو يسأل نفسه أين هي الآن؟ منذ أعوام غادرته بثوب زفافها) . كما كان لعيون رغد أثر أشبه بالصدمة التي أعادته لعيون حبيبته السابقة حلا. وتمكن الدكتور سهيل بعيداً عن العقاقير من توفير جو مناسب لحالة الطفلة "رغد" للتأثير عليها من خلال فتح قناة حب متبادل بعد أن عرف احتياجها وما تحب، على الرغم من أن التعاطف مع المريض مرفوض في الطب النفسي، ورسم علاقة بين رغد وبين حفيدته ذات الأربع سنوات، وبدا تأثير ذلك واضحاً عليها بما وفره لها من حب وحنان ودفء وهو ما جعل أول كلمة تنطق بها هي كلمة سمعتها من حفيدته "جدو سهيل"، في مشهد متفجر بالمشاعر لا يملك القارئ إلا دموعه ليتفاعل بها مع هذه اللحظة، لتتضح للدكتور سهيل صحة نظريته في أن الحب في القلب وليس عبارة عن مادة كيميائية، كما كانت حلا تدّعي، وكم تمنى وجودها ليريها ما قد يفعله الحب في مقابل العقاقير، (سيدتي فلتعلمي أن هناك أشياء كثيرة لا تستطيعين الحصول عليها بأموال الدنيا كلها، لم يشفِ ابنتك سوى الحب، إنه ينبع من ها هنا – مشيرا إلى قلبه – تؤيده عقولنا ليصبح إيمانا نشفي به عقدنا، نشفي به كل أمراضنا). ليكتشف الدكتور سهيل في النهاية أن صمت رغد ما كان إلا انعكاس لصمت والدتها وأن بريق عيون رغد هو امتداد لبريق عيون والدتها (حلا). وصف الراوي المشاعر بدقة فائقة وكبيرة، لدرجة تجعل القارئ يتوحد مع الشخوص، وخاصة "حلا". رواية "حلا" للكاتب ضياء الراشد الصادرة عام 2013 عن "دورا أوربوس للطباعة والنشر" في دمشق. من القطع الصغير. تمكن الكاتب من خلال تناوله لأشياء غير مرئية، من رصد الجوانب النفسية المهمة، للطفلة رغد المصابة ب"التوحد"والارتدادات السلوكية الناتجة عن إثارة غير ظاهرة، مقصودة أم غير مقصودة، ودخل في قضايا نفسية شائكة، تستدعي الوقوف والتأمل، واستطاع أن يدخل القارئ إلى تفاصيل مهمة يمكن الاستفادة منها.