عبدالرحمن علي حسن يحل المتشائم في المكان المخصب فيحيله بنبرته التشاؤمية إلى مكان مجدب، مكان تصفر في جوانبه الريح، ويتحاشاه الركب، فهل هذه القدرة المشؤومة التي يحمل جيناتها هذا المتشائم أصبحت وحشا مخيفا تتقازم أمامه الآمال، وتتوقف الأعمال، حتى كأنه وافد من القدر يصلت سيفه على رؤوس الجمع، معلنا زوال النعمة وحلول النقمة، أم أنها طارئ شؤم، وموجة لوم، أفضى بها ذلك المتشائم نقمة من زمان أو نكاية بإنسان، فأصبحت وكأنها نفثة مصدور، لم يجد بدا من إخراجها، فزفرت بها جوانحه، لتعمل عملها السيئ في ذلك المكان، ولكن الأمر سرعان ما يلتئم فتكسوه بعد حمرة الجدب خضرة الخصب، فتنهض الآمال، لتحلق عاليا في فضاءات متسعة، تعانق في أجوائها بوادر الحلم، وطرائف الأماني، فما أجمل التفاؤل، ومداعبة الحلم، عندما نتلمسه ونخاطبه ونتخطفه بأيدينا مرة تلو الأخرى لنزداد مع ذلك شغفا به وهياما في تحقيقه. نعم نعيش حالة من السعادة ونحن نحلق مع أحلامنا ونتهادى خلف آمالنا، ولكن أين المفر، من متشائم رمت به الأقدار ليكون مصاقبا لدار، أو رفيقا في مشوار، أو صديقا لا يمل من الإنذار، فإذا بالتشاؤم ماثل أمام عينيك بأبشع هيئاته، وأقبح تجلياته، يستل أحلامك استلالا، ويستبدلها ببؤسه استبدالا، حتى تعيش أجواءه، وتستنشق هواءه، فما تشعر إلا وأنت جثة هامدة قد فارقها الأمل، وتخلى عنها الحلم، فأصبحت شبيهةً بالموات، إذ لا سبيل على الإطلاق إلى إعادتها لسابق عهدها إلا بنفخة من روح تفاؤل، أو جذوة من قبس أمل. فكم نحن بحاجة إلى التخلي عن هؤلاء، الذين توجف ركابهم بأوعية الإحباط، وأثقال الكآبة، ثم كم نحن بحاجة إلى أولئك المتفائلين، صانعي البسمة على أفواه المحبطين، وزارعي الأمل في نفوس المكلومين، ومانحيهم جرعة تفاؤلية تجعل منهم أعضاء فاعلين، وعاملين مؤثرين، تشيع بفضلهم السعادة في النفوس، وتندرج بتحفيزهم عجلة الخير في مدارج النمو والتطوير.