منذ السبعينيات، وفي كل رمضان كان لتلفزيون الكويت ميزة تقديم ما يسمى "حكايات التراث العربي" .. قصة في إطار درامي تستدعي التاريخ، والماضي العربي، وشخصياته، وسيره اللطيفة التربوية. أعمال ك "الإبريق المكسور"، و"جحا" إضافة لأعمال أخرى مكتوبة على ذات النهج ك "الغرباء"، و"مدينة الرياح". كان النجم خالد العبيد بطل تلك الأعمال، ونجمها دون منازع، يحبه الأطفال حبا شديدا رغم تخصصه في أدوار الشر مع رفيق دربه محمد جابر وآخرين. ذلك الزمن مضى، ولم يكرر تلفزيون الكويت التجربة التي عاش في كنفها أجيال من أبناء الخليج، ورمى المنديل الأبيض، ربما لأن حمدي فريد المخرج الرائع رحل عن دنيانا عام 1990، وبرحيله توقفت تلك السلسلة التربوية المسلية الرائعة، بعدها لم يتقدم أحد من تلفزيونات الخليج التي تضخ الملايين سنويا لإنتاج أعمال درامية على غرار هذه التجربة رغم نجاحها الأكيد. عدا محاولة يتيمة لتلفزيون قطر عام 1992 في هذا النهج قدمها سعد بورشيد مخرجا، ومثلها محمد اللنقاوي، وسحر حسين، لكن لم تتكرر. واليوم تبرز الحاجة أكثر إلى مثل هذه النوعية لأمور عدة منها المتعة، والرسالة التربوية، والقيمية، كما أن نجاحها أكيد، لارتباط ذاكرة أجيال اليوم بنوعية كهذه من الدراما الجميلة بشيء من الحنين الذي لا ينتهي، فما المانع أن يكرر التجربة أي من تلفزيونات الخليج، وهي قادرة على إنجاز المهمة بجودة وإتقان. في المسلسلات والأعمال المنتجة في رمضان نكرر كل شيء، .. ذات الأفكار، وذات المواضيع، والنجوم بنفس الأداء يطلون علينا من نافذة الشاشة الفضية مأزومين، ومتوترين، يملؤون الدنيا صراخا وصفعات.. أعمال في مجملها مفرغة من الجمال والمتعة، مجرد حقل للعقد النفسية والأزمات الاجتماعية التي نحتاج للتنفيس عنها بشيء مختلف. إن العودة إلى الماضي تكون أحيانا علاجا وهروبا من قساوة الواقع، لاسيما إذا كان هروبا موقتا، كالذي تفعله بنا تلك الأعمال القديمة التي نشاهدها فنستذكر طفولتنا، ودهشتنا التي ذهبت .. شيء من الحنين الذي نهرب به إلى ذواتنا وذاكرتنا، وأيامنا التي لن تعود.