سددت تركيا قبل أسابيع القسط الأخير من مستحقات صندوق النقد الدولي الذي كانت مدينة له على مدى ما يزيد على ستة عقود وتحولت من دولة مدينة إلى دائنة، تضاعف دخل الفرد فيها ثلاثة أمثاله في غضون عشر سنوات وتجاوزت صادراتها حاجز المئة وخمسين مليار دولار بعدما لم تكن تتجاوز خمسة وثلاثين ملياراً قبل عقد واحدِ من الزمان، ولامس الإنفاق فيها على البحث والتعليم والرعاية الصحية المستويات الأوروبية المتقدمة، لم يحدث ذلك بمحض الصدفة وإنما نتيجة جهد وتخطيط دائبين وثمرة ظروف سياسية واقتصادية سخرت لبلوغ الهدف. فمنذ استلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الأمور راهن على التنمية وأدرك أن النجاح الاقتصادي هو سرّ النجاحات الأخرى، فعمل جاهداً على إعادة بناء القاعدة الاقتصادية على أسس صحيحة بتنمية الموارد والطاقات الوطنية واستثمارها بالطريقة المثلى، بدأ بالبنى التحتية فأعاد تأهيلها وشيّد السدود العملاقة في جنوب ووسط البلاد مما سمح له باستثمار ملايين الهكتارات من الأراضي الجيدة وأدخل التكنولوجيا الزراعية الحديثة ووفر الدعم والنصح للمزارعين مما جعل تركيا تتبوأ المركز السابع عالمياً من حيث الصادرات الزراعية, أعاد هيكلة قاعدته الصناعية بما يسمح بتكامل الصناعات التحويلية والمساندة كصناعات النسيج والأغذية وقطع الغيار وعمل على استقطاب التكنولوجيا الصناعية الحديثة بمنح التسهيلات المغرية للشركات الرائدة أملاً في توطين المعرفة التي ستمكنه من إقامة صناعاته المتقدمة، ساهم الاستقرار السياسي الذي نعمت به البلاد خلال السنوات الأخيرة في تركيز الجهود على الجانب الاقتصادي والتنموي. كما كان لسياسات الحكومة الصارمة أثرها في تطبيق معايير الشفافية ومحاربة الفساد وإصلاح منظومة القضاء وسن القوانين المحفزة للاستثمار، أما يأسهم ولو إلى حين من الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي فمنح الأتراك طاقة لإثبات جدارتهم وقدرتهم على المنافسة وحدا بهم إلى الانفتاح على أسواق واعدة في الشرق، فرمموا علاقاتهم مع محيطهم وعمقهم الإسلامي وأنعشوا حركة السياحة والتبادل التجاري مستفيدين من العلاقات التاريخية التي تربطهم بشعوب المنطقة، فإلى أي مدى يمكن للآخرين الاستفادة من التجربة التركية وما مدى إمكانية تطبيقها في بلادٍ لها ظروف مشابهة لظروف تركيا كمصر أو باكستان على سبيل المثال.