يتفنن الشباب في مراحل أعمارهم بابتكار "تقليعات، أو طلعات، أو موضة" لأسلوب معيشتهم، وأحيانا تكون هذه الطرق غريبة ومخالفة للتركيبة الأخلاقية وللقيم الدينية.. خلال السنوات الأخيرة ظهرت في مجتمعنا مجموعة من الشباب المتهور، ابتكروا طرقا وأساليب لتميزهم، تقودهم أوهامهم وأفكارهم ونزواتهم لإزعاج البشر في الطرقات بتجمعهم بسياراتهم المختلفة في فترات يتفقون عليها، ويلبسون ملابس خاصة بهم تجعلك تشمئز منهم ومن تصرفاتهم. "تعريف الدرباوية" "الدرباوية" اسم كبير وشهير الآن لمجموعات من الشباب المتهور، التي تقوم بتغيير ملامح السيارات، بتظليلها وتنزيلها، وكتابة رمز "البن" على الزجاج الخلفي للمركبة، وتنظيم مسيرات موحدة ، يلبس أفرادها العمائم المزركشة، ومشروبهم الدائم "الحمضيات، ومنهم من يتعاطى المخدرات، يتجمعون في الطرق الرئيسية لقطعها وإعاقة السير من أجل لفت الأنظار. "الوطن" زارت هذا العالم الغريب وعاشت مع أفراد هذه المجموعات لأيام قبل أن تنقل واقعهم وظروفهم وأحلامهم. "البداية من الثلاثاء" كانت أمسية الثلاثاء متعبة وهي تراوح على حافة الخطر، كان عليَّ أن أركب فيها برفقة "الموجه".. و"الموجه بمثابة القائد للدرباوية، مجموعات من الشباب تتجول بسياراتها وتمارس ما يعرف ب"الفرة"! أعضاؤها يرتدون أزياء أو قبعات ليخالفوا بها الجميع، وينتشرون ويتحركون في مجموعات تثير الصخب، وغالباً ما تنتهي بمطاردات رجال المرور لهم. حينما دلفت في أولى جولاتي معهم بادرني "الموجه" بالقول: "ستعيش معنا واقعنا مع "حكايم".. و"حكايم" في عرف "الدرباوية" هي السيارات الأمنية (المرور، والأمن التي تطارد تجمعاتهم وتسعى لتفرقتهم وإيقاف ممارساتهم التي تشوبها الفوضى وعدم الانضباط). لم يهدأ جوال "الموجه" ولم يصمت حتى لدقيقة واحدة، كانت الاتصالات تنهال عليه في كل ثانية، فيما كان يخبرني بأن لديهم مواقع معينة ل"الفرة" في أبها، منها شارع التعاون الجديد المؤدي ل"القريقر" و"المشهد" و"المعتق" وطريق السودة. اتجهنا إلى شارع التعاون الجديد، ولم نجد أحداً من الدرباوية، لكنه بدأ "التوجيه" عبر جهازه "البلاك بيري"، وخلال دقائق كان المكان يعج بأكثر من مئة سيارة. كان التوجيه يحدد مكان التجمع وزمانه، وهو ينتشر انتشار النار في الهشيم، فلدى "الموجه" مجموعة على البلاك بيري يصل عددها إلى أكثر 1000 شخص، يحرص على أن يكونوا من أبناء المنطقة ويحذف القاطنين خارجها، ويعمل كثيرون ممن يتلقون رسائل التوجيه تلك على نشرها بدورهم لآخرين وآخرين. ومع بداية تجمع السيارات، يتلقى "الموجه" معلومات عن تحرّك الشرطة للموقع، فيعيد التوجيه معدلاً مكان التجمع إلى "المعتق"، وخلال التوجه إليها، يتلقى معلومة جديدة عن تواجد الشرطة هناك، فيرسل توجيهاً ثالثاً يقود "الدرباوية" إلى "المشهد". كان "الموجه" يقود سيارته بسرعة جنونية، وحينما طلبت منه التمهل قال: "أريدك أن تشاهد ماذا يحدث عندما تحضر الشرطة، وكيف يفر "الدرباويون" ويصطدمون ببعضهم"، وما إن أنهى كلامه حتى حضرت الشرطة، وبدأ مسلسل "الفر". تعود الاتصالات من جديد على "الموجه"، ويتقلى معلومات عن مكان آمن بعيدا عن أعين الشرطة والأمن، وإن كان بدوره يمتلك خبرة كبيرة بتحديد السيارات الأمنية، وأماكن توقفها، ومن يتولى قيادتها، ومواعيد الاستلام والتسليم لورديات الشرطة والمرور.. وهو يعرف رجال الأمن بأسمائهم، ويعرف الشديد منهم والمتهاون فيهم. خارج الحدود يدعي "الموجه" أنه يحترم ساكني المدن، وأنه يوجه دوماً بأن يكون "الفر" خارج المدينة. وخلال رحلتنا باتجاه "السودة" التفت وقال مشيراً إلى سيارة على الطريق: "هذه سيارة أمن سرية، وحدودها هذا الموقع، وستعود بعد قليل، وفعلا عادت السيارة ليرسل بدوره توجيهاً ل"الدرباويين" بوجودها. يحمل "الموجه" في سياراته جوالا وبلاك بيري إضافة إلى "شاحنين"، وتفرغ بطارية جواله بسرعة فائقة، ويعرف بلقب خاص لدى جميع "الدرباوية" في المنطقة، لكنه يصر على الاحتفاظ به رافضاً أن يخبرنا به، ويقول: "بداية كانت تصلني اتصالات كثيرة من الشباب للاستفسار عن مكان التجمع و"الفرة"، وكثرة الاتصالات جعلتني أنشئ مجموعة على "البلاك بيري" أنشر من خلالها رسائلي، وبموجبها يجتمع الشباب على الفور في الموقع الذي أحدده.. لدي أكثر من 1000 مشارك في المجموعة، جميعهم يسمعون كلامي، وأغلبهم لا يعرفون اسمي". نسيج غير متجانس على الرغم من أن مصطلح "الدرباوية" يطلق على مجموعات الشباب التي تمارس "الفرة" والذين تتراوح أعمارهم بين 16 و26 عاماً، والذين يبدو معظمهم عاطلين عن العمل، إلا أن "الدرباوية" ليسوا مجموعة محددة الملامح، فالبعض منهم يرفض المصطلح، ويرونه غير لائق، ويرونه دخيلاً على المجتمع، بل ويحمل معنى شاذاً، وهم يتهمون "المفحطين" أو كما وصفوهم ب"المهايطين" القادمين من مواقع أخرى لإثارة البلبلة والمشاكل والإزعاجات التي ألصقت بهم. ويرى هؤلاء المعترضون أنه "حدثت بعض التجاوزات، لكننا نترفع عن أن يُطلق علينا "درباوية"، كما نستنكر تهم إزعاج الآخرين خلال تجمعاتنا، ناهيك عن رفضنا لتهم تعاطي المخدرات، دون أن نبرئ الجميع من توغل البعض فيما بيننا واستغلال تجمعاتنا لممارسة هذه الأخطاء". اتهامات لا تبدو العلاقة بين هؤلاء الشباب ورجال المرور ودية أو سلسة، فثمة تناحر وشد بين الطرفين، ويتفق "الدرباوية" أن المرور يضاعف من عنادهم وإصرارهم على مواصلة مسيرتهم، ويقولون: "يتدخل المرور في شؤوننا الخاصة مثل تنزيل السيارة أو تظليلها، بل زاد الأمر بتدخله في أخص خصوصياتنا مثل فتح "الجوال" والاطلاع على الرسائل، ناهيك عن استخدام بعضهم ألفاظاً غير لائقة بحقنا مثل أعلمكم كيف الرجولة"، و"اقلب وجهك" و"انقلع"، "على حسب تعبيرهم. ويضيفون "يتقصدنا المرور عمداً، ويكيل لنا قسائم المخالفات، حتى إن نصيب البعض منا يتخطى القسيمة الواحدة في اليوم الواحد". وذكر أحدهم أن قيمة ما يتوجب عليه سداده من قسائم المخالفات يصل إلى 90 ألف ريال، ويذكر آخر أن عليه 287 قسيمة تصل مبالغها إلى 77 ألف ريال، ويقول "جميعها قسائم من المرور، ليس بينها مخالفات من "ساهر" ولا قطع إشارات.. نضطر للهروب من المرور خشية القسائم، ونستغرب لماذا تتم مضاعفة قيمة القسائم؟ وكيف يمكننا سدادها؟". كما يتهم الدرباوية رجال المرور بالمزاجية، ويقولون "بعض رجال المرور يتغاضون عن القسيمة عندما يجدون أن المخالف ابن لمسؤول ما، فيما يرفضون التساهل معنا". ويضيف أحدهم "أمسك بي أحد رجال المرور، ولم تكن معي رخصة قيادة، فأصر على إعطائي قسيمة مخالفة، وحينما أوضحت له أنني أخ لصديقه خفف العقوبة وجعلها مخالفة عدم ربط حزام الأمان، علماً بأنني كنت أضع حزام الأمان حينها". ويعود "الموجه" ليعلن أن "أغلب رجال المرور لديهم سيارات خاصة لنقل السيارات المخالفة أو المتضررة بالحوادث "سطحات"، ويأتي أحدهم للتفتيش "وسطحته" موجودة مع السائق، وعندما يقبض على أحدنا يستدعي "السطحة" التي يمتلكها ويحمل السيارة عليها، ثم ينتظر منا كالمعتاد أن نرجوه ونتوسل إليه، وبعد ذلك يقول: خلاص أنزل السيارة من على السطحة لكن ادفع (100) أو (150) ريالا قيمة التركيب.. لقد تحول الأمر إلى استغلال لنا". تلك حججهم ولكن الواقع يوضح أنهم يستحقونها بمخالفاتهم الكثيرة. الرجل الصارم "سروي عسيري".. اسم يشتكي منه جميع الشباب الذين يشاركون في "الفرة".. وسروي يعمل في مرور عسير، وهم يقولون عنه "في اليوم الذي تكون فيه مناوبته يتحول الأمر إلى كابوس لنا، يريد أن يثبت أن مجموعته هي الأفضل، ويريد أن يكون ذلك على حسابنا.. إنه يترصدنا ويمنحنا القسائم ويهددنا.. يوم مناوبته يوم كئيب". أما سروي فيرد عبر "الوطن" بقوله "المعروف أن أي شخص يخلص في عمله ويطبق النظام يتحول إلى عدو للبعض.. هؤلاء لا يريدون من يطبق النظام.. وأنا أميز "الدرباوية" من غيرهم بأوصافهم وسياراتهم وملابسهم وتنزيل سياراتهم.. وبالتالي أنا أطبق النظام.. وبعضهم يتهمني بالتحامل عليه حيث يتداولون اسمي حتى وأنا في بيتي". ويضيف "للأسف هؤلاء يزعجون الناس، ويضايقون العائلات، وباتوا ينتهزون الفرص ليمارسوا هذا الإزعاج، تخيل أنه عقب مباراة لمنتخبنا الأول لكرة القدم أمام العراق خرجوا بحجة أنهم يريدون الاحتفال.. أي احتفال ومنتخبنا مهزوم في المباراة"!. ويتابع "هم يعرفون مواعيد الاستلام والتسليم من خلال مصادر لهم.. فبينهم بعض رجال الأمن". زمر دخيلة وبعيداً عن المحتجين على مصطلح "الدرباوية"، تعج صفوف هؤلاء بتصنيفات داخلية، وكأنها زمر داخل مجموعة كبيرة "الدرباوية"، من هؤلاء "المفحطون"، وآخرون لهم مآرب أخرى لا أخلاقية!. ويحرص "الموجه" على إقصاء هذه الزمر من مجموعته من خلال إشارته إلى أن كثيراً من القادمين من خارج المنطقة يتوغلون ضمن "الدرباوية" تحرضهم "أغراض دنيئة" أثناء "الفرة". لكن أهم وأخطر زمرة تدخل مع "الدرباوية" هي من يطلق عليها "المفحطون".. ومرة جديدة يدعي "الموجه" أنه لا علاقة لهم بهؤلاء أيضاً، فيعلن أنه ضد فكرة "التفحيط"، على الرغم من إقراره أن بداياته مع "الدرباوية" كانت ب"التفحيط"، إلا أنه خسر كثيراً من هذا الأمر، معلناً أن "التفحيط" هو الانتحار بعينه، ويقول "اقترح أحدهم أن أرسل توجيهاً للتفحيط، لكني رفضت، ومن يقوم بالتفحيط ليس من "الدرباوية"، وهو إما أن يكون سكران أو يفحط لغاية أخرى، وهو حتماً يستحق العقوبة. ويتسلسل "المفحطون" في مراتب لها علاقة بالدور والتمرس الذي يتمتعون به، فمنهم "الطارة"، و"المعزز"، و"المنظم"، و"الموجه"، و"المصورون" و"الجمهور". كما أن هناك أرقاماً يتداولها "الدرباوية"، منها: (503،505،502 ،305،911،501،707)، وهي ترمز لمجموعات بعينها، بحيث لا يسمح بالتفحيط لأي مجموعة غير ملتزمة بيومها المحدد. رسالة من (الموجه) حصلت "الوطن" على رسائل من الموجه نص أحداها كالتالي: • المكان: السودة. • الوقت: الرابعة عصراً. •اليوم: الجمعة. • الفعالية: فلة ووناسة بدون هياط. •ملاحظة: فرتنا ما تحلو إلا بكم، مصورونا شرفونا بالحضور وبإبداعكم غطوا وانتشروا. انشر تشكر ......