على الرغم من عدم وصول العلاقات العراقية السعودية إلى مستوى طموح البلدين في تحقيق تعاون ثنائي في المجالات كافة، نظرا لإعلان بغداد في أكثر من مناسبة تبنيها مواقف كانت موضع اعتراض من قبل الرياض بخصوص التعاطي مع الملفات الإقليمية، ومنها المشكلة السورية، والتمدد الإيراني بالمنطقة، شددت قوى سياسية على أهمية تطوير العلاقات بين العراق والمملكة، نظرا لما تمتلكه المملكة من حضور دولي وإقليمي تحقق بفضل سياسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وقال ل "الوطن" رئيس جبهة الحوار الوطني، القيادي في القائمة العراقية صالح المطلك إن مواقف المملكة تجاه العراق ومنذ الغزو الأميركي عام 2003 اتسمت بالاعتدال والوقوف على مسافة واحدة مع جميع الأطراف، وحثت على التمسك بوحدة العراق وشعبه. وخلال لقاءات قادة سياسيين وأنا منهم مع خادم الحرمين في الرياض طيلة السنوات الماضية سمعنا من الملك عبد الله بن عبد العزيز نصائح وإرشادات، ووضع أمامنا خريطة طريق تتضمن نبذ العنف، والحرص على استقلالية العراق، والوقوف بحزم ضد التدخلات الإقليمية، والمشاركة في العملية السياسية بما يضمن جميع المكونات. مصالح البلدين وطالبت قوى سياسية بمد الجسور بين بغداد والرياض بما يخدم مصالح البلدين الشقيقين، ولاسيما أن المملكة تشكل العمق العربي للعراق، بحسب القيادي في القائمة العراقية النائب أحمد المساري. وقال "وفر الاحتلال الأميركي للعراق في عام 2003 فرصة تدخل بعض دول الجوار غير العربية في الشأن العراقي. وإثر ذلك طالبت معظم القوى السياسية الحكومات المتعاقبة بالتحرك على العمق العربي وخاصة مع المملكة العربية السعودية. واستدرك "لكن هذه الرغبة اصطدمت برفض أطراف معروفة بارتباطاتها مع الجانب الإيراني، ولكونها متنفذة وصاحبة قرار حكومي انعكس ذلك على أداء الدبلوماسية العراقية وخصوصا فيما يتعلق بالدول العربية". وأوضح المساري أن سياسة المملكة تجاه العراق، ولاسيما أثناء لقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز وقيادات بالقائمة العراقية منهم زعيمها إياد علاوي "تتضمن العمل على أهمية حسم الخلاف بين الشركاء السياسيين، واتخاذ مواقف تخدم مصالح العراقيين بكل مكوناتهم، ونظرة خادم الحرمين كانت تعبر عن حرصه على احترام حقوق القوميات الأخرى من الأكراد والتركمان وبقية الأقليات". مزيد من التعاون وعلى الرغم مما تشهده الساحة العراقية من تصريحات تعبر عن مواقف "غير مسؤولة " تجاه المملكة، إلا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عادت بعد انقطاع استمر سنوات طويلة، بحسب وكيل وزارة الخارجية لبيد عباوي الذي قال "منذ عام 1990 انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد غزو النظام السابق الكويت. وانطلاقا من إيماننا بدور المملكة عربيا وإقليما ودوليا، ومواقفها الداعمة للعراق بعد الإطاحة بالنظام السابق، قررنا افتتاح سفارتنا في الرياض، وسفيرنا هناك غانم الجميلي يواصل عمله بنجاح. ونحن نتطلع للمزيد من التعاون الثنائي، وبما يخدم مصالح الشعبين". وأكد أن مصلحة العراق تتطلب توطيد علاقاته مع المملكة، مشيرا إلى أن مواقف الملك عبد الله "تتسم بالحكمة وبعد النظر، والحفاظ على الموقف العربي الموحد، وتسوية الخلاف بين الدول العربية، فضلا عن دعمه لجهود مكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف". وأضاف أن الكثير من المسؤولين العراقيين زاروا الرياض والتقوا المسؤولين السعوديين، وفي مقدمتهم خادم الحرمين "ولمسوا منه الدعم الكبير لاستقرار العملية السياسية وبما يحفظ وحدة العراق وشعبه، ومنح خادم الحرمين وساما رفيعا للرئيس جلال طالباني، وكان هذا الموقف أبلغ دليل على الدعم السعودي للعراق". وثيقة مكة أما نائب رئيس ديوان الوقف السني، الشخ مهدي الصميدعي، فكشف عن بذل جهود كبيرة من قبل خادم الحرمين الشريفين في تحقيق المصالحة الوطنية بين أبناء المجتمع العراقي. وقال "بادرت المملكة بطرح وثيقة مكة أثناء سنوات اندلاع العنف والاقتتال الطائفي بين أبناء الشعب العراقي، فدعت شخصيات سياسية ودينية لاجتماع عقد في مكة، وأسفر عن توقيع وثيقة أسهمت في إشاعة السلم الأهلي والحفاظ على الدم العراقي". وأوضح أن العاهل السعودي بادر بمنح العراق حصة أكبر لزيارة بيت الله وأداء فريضة الحج، مبينا أنه "بعد فرض العقوبات الاقتصادية على العراق من قبل الأممالمتحدة لم يستطع العراقيون أداء فريضة الحج، وبمبادرة مباركة من خادم الحرمين تمت زيادة حصة العراق لتعويضه عن سنوات حرمان أبنائه من أداء مناسك الحج، فارتفعت نسبته إلى أكثر من 30 ألف حاج". نظرة واقعية ويصف أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، عمر الدليمي، مواقف خادم الحرمين بأنها اتسمت بالحفاظ على مصالح العرب بالدرجة الأولى ".. في وقت تخلى فيه أصحاب الأصوات الصاخبة عن شعاراتهم كانت مواقف العاهل السعودي ذات طابع دولي. وتمثلت في تقديم المساعدات الإنسانية لشعوب منكوبة نتيجة الكوارث الطبيعية التي حصلت في مختلف دول العالم". وأضاف "أما دعواته في مواجهة التشدد ومحاربة الإرهاب بكل أشكاله فعبرت عن نظرة واقعية اتصفت بالوسطية في التعاطي مع الظواهر الاجتماعية، بخصوص التعايش السلمي والتقارب بين المذاهب، ونبذ العنف في الترويج للفكر المتعصب. سفارة دائمة عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، النائب عن العراقية أركان أرشد زيباري أكد أن لجنته تعمل على تطوير العلاقات الثنائية بين بغداد والرياض، موضحا أن خادم الحرمين أبدى استعداد المملكة لافتتاح سفارة دائمة في العراق خلال لقائه مسؤولين وقادة سياسيين عراقيين. وأبان "التحديات الإقليمية تملي على العراق ضرورة التفاهم وتوثيق الاتصالات بين دولة مهمة مثل العربية السعودية، بما لها من مكانة رمزية بالمنطقة، واستعداد مسؤوليها، وفي مقدمتهم جلالة الملك لتطوير العلاقات الثنائية"، معربا عن تفاؤله بآفاق تطور العلاقات بين العراق والسعودية بسبب التطورات الجارية بالمنطقة، متوقعا فتح سفارة سعودية في بغداد في وقت قريب. وبحسب المراقبين فإن تطوير علاقات العراق والمملكة يتطلب إجراءات عملية تتمثل بمصادقة مجلس النواب على اتفاقية تبادل المحكومين بين البلدين، وتفعيل التعاون الأمني بموجب توصيات مؤتمر وزراء الداخلية العرب، وإبرام مذكرات تعاون في المجالات الاقتصادية كافة.