يهوى الشاب "سلطان" التقليعات الغريبة، ويحرص على إضافة جو من المرح والفكاهة على تجمعاته مع أصدقائه، ولا يتم ذلك من وجهة نظره إلا بالمقالب الطريفة، وفي أحد الاجتماعات ظهر على الأصدقاء فجأة في الظلام وهو يرتدي قناع "فانديتا" الذي اشتراه من إحدى الدول المجاورة.، فكان رد فعل الأصدقاء كما توقع هو "الخوف الشديد". يقول سلطان "من هذا اليوم، ونحن نستخدم هذا القناع للفت الانتباه وإضحاك الزملاء في جلساتنا في نهاية كل أسبوع". كثير مثل "سلطان" يرتدون هذا القناع خلال تجمعاتهم الشبابية، وفي المتنزهات والمباريات الكروية، للفت الانتباه، وإضفاء الفكاهة على أوقاتهم، دون وعي بخطورة التقليد وما يمكن أن يؤدي له من زرع ثقافة العنف بين أبناء الوطن، من هؤلاء محمد فهد الذي يقول "نرتدي هذا القناع خلال المباريات كإحدى صور التشجيع الغريبة، كما نرتديه ونحن نسير بشكل جماعي كوسيلة للفت الانتباه، وعندما وجدنا أن بعضا يستوقفنا ليحصل على صورة لنا أو معنا، أعجبتنا الفكرة". وعن الأماكن التي يحصلون على هذه الأقنعة منها، قال الشاب وليد الشهراني إن "بعض المحلات الخاصة بالألعاب تبيعه، وأحيانا نجد واحدا على شكل وجه، فنضيف عليه بعض التعديلات، كالشارب، والحواجب الكثيفة، بحيث تصبح شبيهة بقناع فانديتا، ومما يثير الانتباه أكثر لبسنا له وعليه الشماغ والعقال". ولم يكن الشباب فقط من يتداولون هذه الموضة، فبعض الفتيات يلبسنها أيضا، تقول سلمى عسيري "لاحظنا أن بعض الشباب في العالم العربي والخليج يرتدون هذا القناع، عندها بدأت الفكرة لدينا، وأصبحنا نلبسه في الحفلات التنكرية، كوسيلة لإضافة المرح على جلساتنا بإخافة الصديقات"، مشيرة إلى عدم وجود أي معنى لهذا القناع لديهن سوى الغرابة، وإثارة الخوف في قلوب الزميلات. وتشير نورا عبدالله آل مغني، وهي طالبة بكلية الآداب للبنات بأبها، إلى أن "الغرض من ارتداء هذا القناع يختلف في الدول الأوروبية، حيث يلبس هناك لغرض إجرامي جنائي كالسرقة، أو القتل، أو الاغتصاب وغير ذلك، أما هنا فاستخدامه يكون على سبيل الفكاهة". وترى نورا أن ارتداء مثل هذه الأقنعة بما يترتب عليه من إخفاء للشخصية سلوك خاطئ، راجع إلى التقليد الأعمى، وشددت على أهمية الوازع الديني الذي يردع الشباب عن مثل هذه السلوكيات الضارة. أما منى محمد علي القرني فتقول إن هذا القناع يكثر لبسه في الاحتفالات سواء في المباريات أو غيرها، وتتفق مع زميلتها نورا في أن "الدافع وراء ارتدائه هو مجرد التقليد، ولفت الانتباه، ومحاولة إبراز الشخصية، وهي كلها سمات تظهر في مرحلة المراهقة، فالمراهق يمر بحالة من الانفعالية والتمرد، والخروج عن النص"، مشيرة إلى أن معظمهم إن لم يكن كلهم يجهلون مضمون ما يرتدونه، ولا يدركون المعنى الذي يرمز له. الطفل سالم محمد طالب بالصف الرابع الابتدائي يرتدي كأقرانه الأقنعة كوسيلة للعب واللهو، وهو يفضل الخاصة بالحيوانات المفترسة، حيث يستمتع كثيرا بإخافة أقرانه، وخاصة حينما يختبئ لهم في أماكن مظلمة، مشيرا إلى أن الضحك هو الهدف المنشود من هذه الأقنعة التي يرتديها، خاصة في الأعياد أو المناسبات الأخرى. مزاح وقطيعة وروى الطفل خالد الثبيتي تجربته السلبية مع مثل هذه الأقنعة، وقال إنه أحضر هذا القناع للمدرسة، واختبأ خلف أحد الأبواب، وخرج فجأة على أحد أصدقائه، مما سبب له الخوف والهلع، مشيرا إلى أن هذا الموقف سبب قطيعة دائمة بينه وصديقه، مؤكدا أنه لم يقصد سوى المرح. ويقول المحاضر بجامعة الملك خالد والمبتعث لنيل الدكتوراه من أميركا نايف محمد جبلي إن هذه الظاهرة قليلة في أميركا لوجود عقوبات على أصحابها، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة تدلنا على أهمية التركيز على بناء الشخصية، وتقديم ما هو نافع للإنسان ووطنه، بدلا من تقمص شخصيات ومواقف الآخرين. وأضاف أن "هذا القناع يباع في بعض المحلات التجارية بأميركا، وحتى هذي اللحظة لم أر من إخواني المبتعثين من يلبسه أو حتى من غيرهم، وإن كانت توجد بعض القروبات الإلكترونية والتي تشكلت بعد مشاهدة فيلم V for Vendetta والذي أنتج في 2005، ومات فيه بطل الفيلم منتحرا بعد أن كان يرتدي القناع"، مشيرا إلى أسباب أخرى أدت إلى انتشار هذه الظاهرة كالرغبة في شد انتباه الآخرين، وجذبهم، وكذلك الخوف من المشاركة، وإبداء وجهة النظر، وحب التقليد المذموم أو الأعمى. وأكد أن شخصية فانديتا تثير الانتقام والعداوة، وتحول النفس من كونها متفائلة ومتسامحة لتصبح متشائمة وعدوانية منتقمة. ولمواجهة هذه الظواهر السلبية، قال جبلي "من الأهمية بمكان أن ندرك الحاجة لأن نتعلم ونكتسب المهارات والقيم المفيدة، كمهارة الحوار، وفنون الإقناع، وفتح قنوات التواصل مع الشباب لسماع آرائهم وتطلعاتهم، واستغلال طاقاتهم، وتدريبهم على الثقة بالنفس وقدراتها، وتوسيع دائرة التفكير". تقليعات غريبة وتحلل أستاذ مساعد الإرشاد بقسم علم النفس بكليتي الآداب والتربية للبنات بأبها الدكتورة نيللي حسين العمروسي الأسباب النفسية التي تكمن وراء ارتداء بعض الشباب لهذا القناع، وتقسمها إلى شقين، "الأول يتمثل في فراغ هؤلاء الشباب، وحصولهم على الأموال بسهولة من أولياء أمورهم مثلاً، فيصرفونها بلا وعي في أي شيء يجعلهم يخرجون عن المألوف ليضحكوا ويمرحوا، وفي الغالب يكون ذلك تقليعة غريبة ليس وراءها أي هدف سوى التقليد، مثل التقليعات الغريبة التي تظهر في محيط الشباب، ويسعون لنشرها جاهلين بالمعنى والدلالة التي ترمز لها، والشق الثاني أن يكون ذلك تعبيرا عن الكبت النفسي والاجتماعي، والذي لا يستطيعون التعبير عنه. وحذر مدرب التنمية البشرية الدكتور حسن آل عمير من الآثار السلبية للأفكار الشاذة على المجتمعات، والنتائج المدمرة التي تنتجها تلك الظواهر من تغيير في القيم، وانحراف في العقائد، وتشويه السلوكيات، وقال "من الأمور الغريبة التي ظهرت في مجتمعنا ارتداء قلة من الشباب أقنعة دون معرفة الهدف منها، ومتى كانت نشأتها ولماذا وجدت، ومنها قناع "فانديتا" الذي أصبح في دول أخرى مرادفا للفوضى والتمرد على قيم المجتمع". وأكد آل عمير على دور الأسر في مواجهة هذه الظواهر الشاذة، بالمتابعة المستمرة لأبنائهم وتوجيههم نحو ما يقودهم للنجاح والتميز، والإبداع، وتوعيتهم بضرورة الابتعاد عن الظواهر الشاذة والغريبة والتي لن تعود عليهم إلا بالخسارة والهلاك. وعبر آل عمير عن ثقته بأن ارتداء القلة من الشباب لذلك القناع كان من باب التقليد وركوب موجة لا يعلمون مدى خطورتها عليهم وعلى المجتمع بصفة عامة، مشددا على دور التوعية لمواجهة ذلك، وقال إن "على جميع الجهات ذات العلاقة كالشؤون الإسلامية وهي التي تشرف على المساجد، وخطب الجمعة، والمحاضرات، وكذلك الصروح التعليمية المختلفة، ووسائل الإعلام بأنواعها كافة، وقبل ذلك كله الأسر العمل يدا بيد لمواجهة أي أمر سلبي يحيط بشبابنا"، مؤكدا أن "نجاح المجتمعات واستمرار تطورها يقوم على تكاتف الجميع، والعمل بروح الفريق الواحد للوصول نحو ما يفيد الجميع. ويتطرق المشرف التربوي مستشار ونائب مجلس إدارة شركة مواهب التربية للتعليم والتدريب الدكتور مصعب الحايك إلى المرحلة العمرية التي تكثر فيها مثل هذه الظواهر وهي المراهقة، ويقول إن "مرحلة المراهقة من أكثر مراحل العمر أهمية، حيث تتصف بالتمرد، والاعتداد بالرأي، والتقلب في المظهر، والبحث عن الجديد والغريب، ومحاولة تقليد الآخرين، وكل ذلك يعتبره علماء الاجتماع مرحلة طبيعية، وغالبا ما يكون التغيير في هذه المرحلة في الشكل والثياب، والزينة، بما يخالف المألوف" مؤكدا أن ضعف الوازع الديني، والفراغ الروحي، مع غياب دور التوعية ومراقبة الأسرة من أسباب سبب تفاقم هذه الظواهر. توعية الشباب وعن العلاج قال، إن "معالجة هذه الظواهر تبدأ بتوعية الشباب بخطورة مثل هذه الأقنعة، وما ترمز إليه، إضافة إلى أنه ينبغي على المدرسة والأسرة والمسجد، ووسائل الإعلام، ومؤسسات المجتمع المختلفة القيام بدورها ومسؤولياتها في احتواء الشباب فكرا وممارسة وتبصيرهم بخطورة مثل هذا التقليد". وأكد الحايك على أهمية أن تقوم مؤسسات الدولة بدورها في المنع والتحذير من استخدام مثل هذه الأقنعة، واعتبار ارتدائها فعلا إجراميا يعاقب عليه قانون العقوبات، ويخضع مستخدمها للمساءلة القانونية" وقال أستاذ علم النفس بجامعة أم القرى الدكتور إلهامي عبدالعزيز إن "بعض الأمهات والآباء يأتون بهذه الأقنعة لأطفالهم من باب الدعابات والتسلية، خاصة تلك التي تأخذ أشكال الحيوانات المفترسة كالأسد، والنمر ونحوهما، لكنها بعد فترة تأخذ منحى آخر لدى الأطفال، حيث يتعودون على تلك الأشكال، ويصبح ما كان يخافونه بالأمس وسيلتهم لتخويف غيرهم. حذر شديد وأشار إلى أن الأطفال يستخدمون هذا القناع فيما بعد ليغطوا خوفهم منه، فيرتدون مثلا قناع الأسد ليخيفوا من حولهم من الناس، ويستأسدوا على كبار السن في المنزل، وكثيرا ممن يعيش مع الطفل يظهر له بأنه خاف فعلا من هذا القناع، فيتحول الخوف إلى مزيج من الضحك أو الفرحة، لأن الطفل يرى أنه توحد مع هذا القناع الذي كان يخشاه من قبل. وبين الدكتور إلهامي أن الأقنعة قد يرتديها بعض تخفيا في الجرائم المختلفة كالسرقة ونحوها حتى لا يتمكن أحد من معرفته، وقد يستخدمها الكبار من باب المزاح مع أصدقائهم وأسرهم، وخاصة إذا تخفى من يرتديها في مكان ما وفاجأ الموجودين بالخروج به. من جهتها اعتبرت التربوية زبيدة الردهان هي الأخرى أن انتشار هذه الأقنعة ليس إلا تقليدا أعمى لبعض الأفلام، انساق كثير من الأطفال والشباب وراءه دون أن يدركوا مغزاه، مشيرة إلى أن بعض التربويين أيضا يعتمدون على هذه الأقنعة في بعض الأعمال المدرسية متناسين أنها قد تسبب الهلع والخوف. وقالت "ينبغي أن تكون الهيئات التعليمية على حذر شديد عند استخدام مثل هذه الأقنعة" مضيفة أنه يقع على الأسرة دور كبير في نشر ثقافة الوعي من هذه الأقنعة التي لا هدف لها سوى التقليد الأعمى لبعض الأفلام وغيرها. وأشارت الردهان إلى أن "هذه الأقنعة ظهرت للمرة الأولى في عصور قديمة، وكانت دلالة على التقدم الاجتماعي، لكنها اليوم باتت تستخدم استخدامات سيئة، وخاصة بين طلاب وطالبات المدارس دون إدراك لمخاطرها. عقوبات للمخالفين وكان للجانب الأمني في هذه الظاهرة رأي، حيث قال الناطق الإعلامي لشرطة عسير المقدم عبد الله آل شعثان إن:" الأقنعة التي يرتديها الشباب في الآونة الأخيرة باسم قناع "فانديتا" تم رصدها من قبل الجهات المختصة طرفنا، وتم على ضوئه مكاتبة الإمارة، وهناك توجه لتشكيل لجنة رئيسة من عدة إدارات أمنية وحكومية، وكذلك لجان فرعية على مستوى محافظات المنطقة لمعالجة مثل تلك الظاهرة السلبية، والتأكد من خلو الأسواق من هذا القناع ومصادرته في حال توفره، ومنع تداوله نهائيا"، مؤكدا أنه ستكون هناك عقوبات في حال مخالفة التعليمات بهذا الخصوص.