وفاء آل منصور تساءلت ذات مساء وأنا في نزهة إلكترونية بين حقول الأسماء في برنامج (الواتس أب) أجوب بينها كمتطفل يقضي أوقات فراغه في مراقبة أحوال الغير ممن يسكنون هواتفنا النقالة، حالي كحال المتلصصين على عناوين التوبيكات الخاصة بكل شخص حمل هذا البرنامج في جهازه، تساءلت في نفسي ما كل هذه الجلبة الصادرة من أسفل قلوبهم.. بدأت أقرأ وأضحك وأشفق قليلا وأحزن كثيرا على أحوال البعض ممن أعرفهم بطبيعة انطوائية أو حتى خجولة ومحافظة على أسرارها في صناديق تمكث داخلها بإحكام، أجدها تفتح ذلك الصندوق وتخرج كل ما في جعبته شيئا فشيئا من خلال الحالة التي يكتب فيها الأشخاص معبرين عن أحوالهم أو بالأحرى فضح أنفسهم والكشف عن أوراقهم الخاصة بطريقة مريبة وسخيفة بعض الشيء، أجد كلمات المحبة والعتاب الرخيص والألم والحزن متشكلة في جمل أجزم أنها غير مفيدة ولا حتى مفهومة، المهم تدوين إحساسهم في تلك اللحظة المشؤومة بالنسبة إليهم. بتنا نعيش من خلال هذا البرنامج بين هوتين، أحدهما هوة إياك أعني واسمعي ياجارة، والهوة الأخرى تنفيس وكشف مستور وإظهار أجمل مقتنياتنا الشخصية التي نفتخر بقبوعها داخلنا مصانة ومحافظا عليها.. حزنت للبعض فقد كانت كلماته تستنجد عيون المتلصصين على أحوالهم الخاصة، الحزن يلون يومه بأكمله وكأن حياته تلونت بالأسود فقط، فكل شيء قبيح وممل والحياة كريهة وأناسها عديمو الفائدة وأشياء كثيرة أخجل من ذكرها، والبعض الآخر ترك بصمته بجمل رائعة تحمل حكما ومعاني جميلة تدل على سمو أنفسهم وترفعهم عن كلمات تسقطهم من أعين أحبائهم، والأهم من ذلك أن يبقوا كبارا في أعين أنفسهم فخورين بما تحتويه خزينتهم الشخصية فرحين بتمسكهم بصمتهم الذي عودونا عليه من قبل متشبثين بقناعاتهم السابقة التي لم تتأثر بفضائح تكنولوجية.. الكل أصبح يعاني ويتألم وكأنه أصبح فسخ المشاعر من ثيابها موضة جديدة يحتفى بها في كل يوم.. أما صور الملف الشخصي فحكاية أخرى يطول الحديث عنها، انصدمنا بالبعض يحملون أحقادا دفينة على أطلال الماضي المغادر، والآخر يصرخ بوجع الفقدان والفراق والخيبة، وآخرون متفائلون ورائعون نكسب دروسا يومية من رحيق كلماتهم الملهمة لذكر الله وجمال الحياة وروعتها، هؤلاء هم الأجدر بأن نتنزه بين أسطرهم وصورهم التي يكون لها تأثير جامح ووقع في النفس، كي نغذي أرواحنا المتعطشة بحروفهم الجميلة التي يسطرونها رفقا بالمتألمين، الذين نبشوا أوجاعهم علنا في حضرة التكنولوجيا.