المجتمعات المنغلقة فكريا واجتماعيا لن تتسامح بسهولة مع من يختلف معها، كما أن المجتمعات التي تمنع مجموعة أو عصبة ما لتفكر نيابة عنها بل وتملي عليها سلوكياتها واتجاهاتها نحو متغيرات الحياة، لن تجد الإبداع الفكري صفتها. ومن المثير للاستغراب أن هذه المجتمعات تنسب لنفسها صفة المحافظة، بل والأكثر من ذلك أنها تفتخر بهذا التميز الذي بزعمها هو من يحفظ لها الثبات والاستقرار على القيم والمبادئ على الرغم من تغيرات العصر السريعة. حتما إنه اعتقاد خاطئ، لأن المقياس للحكم على ذلك في الأساس غير صحيح، فمفهوم المحافظة للمجتمعات أصلا غير مناسب لهذه المجتمعات، ولأن صفة المحافظة لم ولن تكون يوما ما مصادمة للتقدم والرقي الإنساني وهذا ما يثبته عكس ذلك في هذه المجتمعات. على سبيل المثال، مجتمع الآمش الذي يعيش في الولاياتالمتحدة الأميركية على الرغم من أنه يعيش بين ظهراني واحد من أرقى شعوب العالم إلا أنه ما زال في سبات رجعيته وانغلاقه الفكري والمجتمعي، بل ورفضه لأي تقدم تقني ومع ذلك فهم يطلقون على أنفسهم صفة المجتمع المحافظ، ولو تفحصت تاريخ الولاياتالمتحدة لوجدت بأن تقدم هذه الأمة يعود في أغلب جوانبه إلى من يطلقون على أنفسهم بالمحافظين. ما أردت قوله وبكل وضوح أن المجتمعات المنغلقة والمتخلفة لا تصنع تطورا وحضارة.