الكتابة مزاج، شأنها شأن بقية روافد الحياة.. أحيانا تجد أن عقلك أرض خصبة، مخرجاتها متسارعة النضج، ومكتملة النمو، قد طابت رؤياها، وحسن طعمها، وأصبحت جاهزة لكل من يقرأ! فتجد أن العناوين تنهال عليك أينما ذهبت، وتجد الأفكار تراودك أينما حللت، وينمو ذلك في وجدانك، حتى تشحن بالفكرة، وتبدأ بطبخها في رأسك، على نار هادئة، حتى تفوح رائحتها الجميلة، التي يسيل لها لعاب القارئ، فيأتيها بنهم المعرفة، وعنفوان الثقافة، ويبدأ بتناولها كوجبة ثقافية دسمة. وأحيانا تشعر بأن الكتابة تتمنع عليك، وتأبى الحضور، وكأنها طفلة مدللة تتلاعب في حجر أبيها، وعندما تناديها لا تجيب! وتشعر أحيانا بأن عقلك صحراء قاحلة، لم تعانق أرضها السحاب منذ الأزل، فلا عنوان يذكر، ولا فكرة تحضر، حينها يداهمك شعور بأن المعرفة تحتضر والثقافة قد نامت في لحدها البعيد! فتمسك بالقلم، لعلك تصادف شيئا من بقايا الخريف بعد صيف حارق، فلا تجد شيئا مذكورا، وتنظر في قلمك بنظرة بؤس ملؤها الألم، وكأنك تتوسل إليه بصمت، حينها ستختنق وستشعر حينها بأنه قلم مخادع، وستتأكد من خيانة عقلك لك، وغيابه عن خدمتك، وتقوم والحسرة تغشاك من وهم مكانك! الكتابة حياة أخرى، نمارس معها السهر، ننتظرها في السحر، توقظنا من قمة لذة النوم، تخرجنا من وهم الزحام لتجمعنا بحقيقة الكتابة، تقربنا برغم تباعد الأوطان، وتأتي بالماضي ليكون حاضرا في الأذهان، وتجمعه بالحاضر ليكون المستقبل فريدا عن وهج الأزمان. حكمة المقال: نكتب لنعيش، نكتب لتكون الحياة أجمل.