يوم الثلاثاء الماضي كان تراجيديا بمعنى الكلمة، وسيصبح علامة فارقة في ميدان التربية والتعليم بمحافظة سراة عبيدة، فهو الصفحة الأخيرة للأستاذ يحيى بن محمد آل فايع للعمل كمدير للتربية والتعليم، عقدان من الزمان أمضاهما هذا التربوي سوف نعرض لها، فهي مَليئة بمحتوى قيم يستحق الاهتمام والعرض. المهم أن يومنا قد بدأت فصوله الساعة العاشرة صباحا، عندما جال الأستاذ يحيى بردهات المكان لوحده بكل بساطة وعفوية، يودع الجميع دون استثناء، فتباينت ردود الأفعال، فمن التحق بالعمل بالإدارة مؤخرا وقف مشدوها وأما من عرفه من قبل فلم يستغرب، فتواضع المدير معهود، ولكن العجيب أن دموعهم انهمرت وأخرى صارعت لتصل الحناجر. عاد المدير لمكتبه لإنجاز ما أمكن، فترى قوة في كلامه وحركاته وبشاشةً في تفاصيل كيانه. بادرته بسؤال عادي فرد بجواب عادي، ولكن سمعي وبصري ومخزن ذاكرتي أجابه، وفسرت كل ما أدهشني بعبارة شافية وكافيه "إنها راحة الضمير..." نتيجة جملة أعمال قام بها وممارسات لمبادئ وقيم رآها الجميع لو ذكرناها لمن لا يعرفه لاتهمنا بالكذب والبهتان، وله الحق، لأنها غابت ولم تعد تحدث سوى في كتب التاريخ والسير. فهل يُصدق أن مدير تعليم يحضر طابورا صباحيا في مدرسة بأقصى أودية تهامة؟ وهل يُصدق أن مدير تعليم نام مع معلمين في مدرسة وراء جبال الزرق قبل سبعة عشر عاما؟ وهل يُصدق أحد بأنه الأول في الحضور والأخير في الانصراف وهو الأبعد مسافة عن مقر سكنه؟ وأن مقدار ما تمتع به من إجازة اضطرارية هو ستة أيام طوال عشرين عاماً، والمسوغ لها وفاة والده ثم وفاة عمه رحمهما الله تعالى. سعادة المدير أعطى الصورة الحقيقية لسلوك المسلم المتقن، هذا غير ما حققه من إنجازات في الجانب المحسوس والمرئي في الميدان التربوي. فإن ودعته العيون بدموعها والألسن بذكر فضله وشكره فلن تودعه العقول ولن ينساه التاريخ أيضا. سأترجل عن صهوة قلمي لتغير حاله، فهو جملة من أشياء تشعر بالأحداث ولعل ما حدث اليوم منها. يحيى آل فايع كتاب مفيد وعميق، سوف يحفظه التاريخ بمحافظة سراة عبيدة... جف حبر القلم.