هناك من يتحدث عن الديمقراطية كثيرا ويسوّق لها معتقدا أنها الحل السحري لكل مشكلات الوطن العربي، وهو رأي يضع التجربة الغربية أمام ناظريه كونها حققت مآرب وطموحات شعوب تلك البلدان، وأرست قواعد الأمن والاستقرار، وحيّدت الظلم والحيف والقهر، وأتت بالعدل والمساواة، فتقدم الغرب صناعيا وتقنيا واجتماعيا؛ من أجل ذلك تعالت مثل هذه الأصوات والآراء داعية إلى استنساخ أنظمة الديمقراطية الحديثة ومحاولة تطبيقها في بعض الدول العربية التي ثار شعبها وأزال أنظمة الحكم فيها. من الناحية النظرية يبدو الأمر مقبولا ومستساغا، لكن حينما نصل لمرحلة التطبيق حتما سوف نصدم بحواجز وصعوبات لم تكن في الحسبان. والحقيقة أن العقبات تكمن في أن ما يصلح من أنظمة وقوانين في قطر معين قد لا يصلح في غيره؛ لأن الطبائع والعادات والتقاليد، وأيضا المعتقدات تختلف من بيئة لأخرى. ثقافة الشعب وطريقة نشأته لهما دور مهم في القبول والتكيف مع النماذج الجديدة أو مقاومتها والتمرد عليها. أعتقد أن المشكلة الأساسية التي تجعل قالب الديمقراطية الغربي الجاهز غير قابل للتطبيق في المنطقة العربية، تتلخص في أن العلاقة بين الأحزاب والطوائف في عالمنا العربي ليست تكاملية، بل عدائية، بحيث إن كل فريق يبذل كل ما في وسعه لإقصاء الآخر ودحره، ومهما أبدى له من حسن نوايا فإنه في الواقع يتحين الفرص للانقضاض عليه. كل من ينتمون لمعتقد أو مذهب أو جماعة يحتكرون الحق والسؤدد والصواب لهم ولمن اتبع منهجهم ووافقهم بالرأي، وبالتالي حينما يصل تكتل ما لسلطة البلاد عن طريق انتخابات حرة فإن نطاق اهتمامه يظل ضيقا ومحدودا، ويخدم بالدرجة الأولى مصالحه، وفي ذات الوقت يضع خططا مستقبلية تهدف لتهميش وإضعاف التكتلات والتيارات الأخرى. والنتيجة، اشتعال نار الفتنة والتناحر بين مختلف أطياف الشعب، والضحية المواطن الذي يفقد أمنه واستقراره وقوت يومه، وبالطبع يمتد الأثر السلبي ليشل اقتصاد الدولة وكل مؤسساتها العلمية والصحية والتجارية وغيرها. أحسب أن لدينا من النماذج ما يكفي لإثبات أن الديمقراطية لا تصلح لنا ولا نصلح لها، فلبنان والعراق مثالان قديمان، ولتجربتهما سنين عددا، ومع ذلك هما يدوران في حلقة مفرغة، وما فتئا يصارعان دوامة الطائفية والحزبية المهلكة. أما النماذج الحديثة والتي لا نستطيع الحكم عليها لحداثتها رغم أن بداياتها تحمل الكثير من علامات الاستفهام، فهي مثل مصر وتونس. أخيرا، ما أود أن أشير إليه بعد أن رأينا فشل الديمقراطية الغربية في مجتمعنا العربي، هو عبارة دعوة للعودة لتراثنا وتاريخنا العربي الإسلامي، لأن لنا تجارب ناجحة فيما يتعلق بنظام الشورى الذي أقره ديننا الحنيف، وهو نظام محكم يعتمد على مشورة صفوة المجتمع في كل أمر يهم الأمة ومستقبلها.