بدأت قضايا "العضل" أو "منع الولي تزويج الفتاة" تأخذ "حيزا مهما جدا" في المحاكم إذ أحصت وزارة العدل في إحصائية حديثة نشرتها على موقعها الإلكتروني 231 قضية في معظم مناطق المملكة. وفي حين أوضحت الوزارة ل"الوطن" المسار القانوني الذي يمكن أن تسلكه الفتاة "المعضولة"، وصف خبراء العضل بأنه "نوع من أنواع العنف ضد المرأة. المسار القانوني وأوضحت وزارة العدل في خطاب رسمي أرسلته إلى "الوطن"، كيفية إثبات الفتاة العضل في حالة تعرضها له من قبل وليها، مشيرة إلى أن ذلك "يكون بالذهاب إلى المحكمة الشرعية المختصة والتقدم بدعوى عضل ضد وليها سواء أكان والدها أو غيره وهي دعوى معروفة عند المحاكم ومن ثم يتم تحديد موعد للنظر في القضية ويتم استدعاء الولي بحضور الفتاة المعضولة أو وكيلها، ومن ثم ينظر القاضي في القضية ويسمع لقول الفتاة وقول الولي ويحكم بناء على ذلك، فإذا رأى أن الولي على حق رُدت دعوى الفتاة، وإذا رأى أن الفتاة على حق تنزع ولاية هذا الولي عنها". وعن طريقة تزويج الفتاة، بينت الوزارة أن "القاضي ينظر في المصلحة العامة للفتاة، فإذا رأى أن مصلحتها بأنه يجعل ولايتها لمحرم آخر من محارمها فله ذلك، وإن رأى أن يكون هو ولي لها ويقوم بتزويجها فله ذلك أيضا". الإسلام والمرأة من جهته، أكد المحامي والمستشار القانوني أحمد بن علي الألمعي أن "الإسلام أوفى المرأة حقها كاملا غير منقوص بخلاف بعض القوانين الوضعية والتشريعات الأخرى"، لافتا إلى أن "طمع بعض الأولياء في راتب الفتاة أو في خدمتها لأهلها من أهم أسباب عضلها"، مبديا استعداده للترافع عن أي قضية عضل تتعرض لها أي فتاة في المملكة. وقال الألمعي: "ليس هناك أي نص صريح لعقوبة من يعضل وليته، بل تترك العقوبة التعزيرية لتقدير القاضي"، مطالبا بتعزير كل شخص يعضل وليته والإعلان عن ذلك "ليكون عظة وعبرة". وأضاف: "الفكرة السائدة لدى كثيرين، أن الفتاة ليس لها رأي، ولو عبرت عن رغبتها في الزواج فيعتبر عيبا في حقها، وإلا ما الذي يمنع أن تطلب الفتاة الزواج كما يطلبه الرجل؟". واستطرد قائلا: "أي فتاة يعضلها وليّها من دون سبب واضح في رجل شهد له أقارب الفتاة بصلاحه دينا وخلقا، لا تتردد بالذهاب إلى القاضي ليزوجها، وذلك بمجرد حضور شخص واحد من أقاربها للمحكمة"، ومعتبرا أن "هذا لا يعتبر من عقوق الوالدين أبدا". العضل قانونا وعن الآلية أو الطريقة المتبعة في إثبات العضل قانونيا في المحاكم، قال الألمعي: "في البداية يجب أن تكون الفتاة متأكدة تماما من أن والدها اعترض على تزويجها بدون سبب واضح أو مقنع، أو لسبب مادي فقط، ثم تتأكد من صلاح الخاطب لها بسؤالها عنه من عمها أو خالها أو إخوانها البالغين الراشدين، فإن ثبت صلاحه لها فتتقدم هي أو أخوها أو عمها أو خالها بخطاب يشرح وضعها إلى أقرب رئيس محكمة ولطلب التزويج، وإن لم يكن للفتاة أخ أو عم أو خال فتتقدم هي أو الخاطب بخطاب لرئيس المحكمة لطلب التزويج". أنواع "العضل" من جهته، أكد الباحث في مجال السلوك الاجتماعي ومشكلات الأسرة الدكتور عادل عبدالعزيز أن "من يتابع القضايا في المحاكم ربما يدرك أن قضايا العضل بدأت تأخذ حيزا مهما جدا"، مشيرا إلى أن هناك ثلاثة أنواع من أولياء الأمور: - الأول يجهل ما هو "العضل" ويتصرف بناء على فطرته، ويفكر باستمرار كيف يحافظ على ابنته ويحاول الاستفادة منها كنوع من رد الجميل له. - الثاني وهو الذي يدرك تماما معنى العضل، ويعي تماما أنه بهذه الصورة "التي ترفض تزويج ابنته لأي سبب كان والمتحكم في مصيرها"، ويدرك تماما النتائج السلبية لتصرفه الذي قد يؤدي إلى دخول الفتاة في أمراض نفسية أو عضوية نتيجة الضغط النفسي الذي تتعرض له، وربما تدخل في خطوط الانحراف نتيجة حاجتها الجسدية والعاطفية. - الثالث وهو الذي يعاني من أمراض نفسية خارجة عن إرادته وسيطرته، مثلاً كحب التملك أو أن الله لم يرزقه إلا بهذه الابنة الوحيدة، وبالتالي هو يشعر أنه يتملكها ولا يستطيع أن يمنحها لأي شخص آخر، الأمر الذي من الممكن أن يقوده إلى الشعور بالذنب عند رؤية ابنته وقد تجاوزت سن ال40 وما فوق من دون زواج. ويؤكد عبدالعزيز أن "أشد الأنواع خطرا من أولياء الأمور وأصعبها، هو النوع الثاني لأنه لن يستمع إلى أي نصح أو إرشاد أو توجيه، ولو أجريت دراسة عن قضايا العضل في المحاكم سنجد أن أكثرها من النوع الثاني، ثم يلي هذا النوع من الأولياء هو النوع الثالث ثم النوع الأول". عنف "مالي" ووصف عبدالعزيز العضل بأنه "نوع من أنواع العنف ضد المرأة". وقال: "كثير من الناس يعتقدون أن العنف ضد المرأة أو الطفل هو العنف الجسدي فقط وهذا خطأ شائع، بينما يشمل العنف الجسدي والعنف اللفظي والعنف العاطفي والعنف المالي الذي يدخل من ضمنه العضل". وتسمية العنف ضد المرأة بهذا المسمى جاءت من منطلق أن الرجل في المجتمع الشرقي لا يتعرض إلى عنف وإن كانت هناك حالات قليلة جدا تعرض فيها رجال لعنف من زوجاتهم. وعن النتائج السلبية التي قد تصيب الفتاة نتيجة العضل، قال عبدالعزيز: أهم النتائج السلبية هو تعرض الفتاة إلى الانحراف بكل أشكاله وأنواعه لمحاولة ملء هذا الجانب، خصوصا إذا كان المحيطون بها من صديقاتها أو قريباتها متزوجات ولديهن أبناء وبنات، أيضا قد تتعرض الفتاة إلى ما يسمى ب"السيكوسوماتية" أو أمراض "النفسجسدية" التي يصعب على كثير من الأطباء اكتشافها لأنهم لا ينظرون إلى التاريخ المرضي الاجتماعي أو النفسي، بل يتعاملون مع الحالة تعاملا عضويا فقط، مع العلم أن كثيرا من الأمراض مثل مرض القرحة المعدية أو القولون العصبي أو ارتفاع ضغط الدم أو السكري وجلطات القلب والدماغ، أصلها مرض نفسي". وتابع قائلا: "من ضمن النتائج السلبية أيضا هو رفع الفتاة قضية العضل على والدها أو وليها، وبهذا قد تتعرض الأسرة إلى تفكك وقد تصبح الفتاة في ما بعد أكثر بعدا عن عائلتها وربما تقع ضحية استغلال مستقبلا من زوجها". وأضاف عبدالعزيز: "خلاصة المسألة تكمن في أن الضغط النفسي الذي تتعرض لها الفتاة المعضولة يؤدي بها إلى نتائج كارثية في حالة عدم ثباتها خصوصا إذا لم تجد الدعم من محيط أسرتها". "الحجز" عنف غير مباشر وفيما نفى أن تكون ظاهرة ما يسمى ب"حجز الفتاة لابن عمها أو لابن خالها" هي حالة من حالات العضل، أكد أنها تدخل ضمن حالات العنف غير المباشر ضد المرأة وسوء استخدام السلطة الذكورية التي اعتاد البعض توارثها"، رافضا أن يكون العضل هو أحد أشكال الاتجار بالبشر. كسر فكرة الولي أما الباحث الشرعي عبدالله العلويط فأشار إلى أن حلول المشكلات لا يشترط له أن يكون خارجا من الإيديولوجيا أو العادات أو التقاليد، إنما قد يأتي من خارجها مما لا يتوافق معها ولذا فالحلول الناجعة دائما ما تكون خارج النسق والمألوف. وأوضح أن "الولي المتصرف بالمرأة هو أساس المشكلة، فالولي يقرر مصير المرأة بتزويجها أو منعها، ولا يكسر هذا الحق إلا القضاء، لكن المرأة لا تكسره بنفسها ولا بقريب متعاطف معها، فهذا الامتلاك هو ما تسبب في العضل فلو طور معنى الولي وأعطيت المرأة الراشدة حق تزويج نفسها أو ابنتها لقل العضل بنسبة كبيرة". وقال: "لو كان ينظر للمرأة على أنها شخص مستقل بنفسه، لما حصلت هذه السلبيات المتفرعة. وفي حال الإصرار على الولي فيمكن أن يوكل أمرها للحاكم أي يزوجها القاضي ولكن لا بد من تطوير العملية الإدارية المرتبطة بذلك من خلال استحداث أقسام خاصة في المحاكم بقضاة خاصين وبفريق متابعة لمتابعة حال المتقدم للزواج مع سرعة الإجراءات وربطها بالأماكن التي تكون بها المرأة عادة، كالمدارس والكليات، أي ربطها بممثليات لها في هذه الأماكن لتصل القضية إلى المحكمة بشكل أسرع مع إعلام يبرر مثل هذه التحولات، وهذه المحاكم لا تقتصر إيجابياتها على تزويج المعضولة فحسب إنما ما ذكرته سابقا من كسر فكرة سيطرة الولي على المرأة وأنه لم يعد هناك امتلاك للمرأة فيزول العضل كثقافة ومع مرور الوقت لن يظهر العضل".