بدأت بوادر أزمة تلوح في أفق صناعة الأسمنت المحلي نتيجة لتراجع مخزونات الكلنكر إلى مستويات متدنية تقدر بنحو 6.6 ملايين طن لكافة المصانع العاملة في المملكة مع تصاعد وتيرة الإنتاج والمبيعات إلى مستويات قياسية بنحو 4.4 ملايين طن شهرياً. وتدعم الأرقام والإحصائيات الأخيرة من مصانع الأسمنت موقف الشركات المتخوفة من ارتفاع وتيرة الطلب العام المقبل مما ينذر بأزمة خانقة في الإنتاج وتنعكس على الأسواق. حيث ظهرت طلائع الأزمة في المنطقة الغربية في اليومين الماضيين بعد أن سجلت الأسعار قفزة من 15 إلى 18 ريالا للكيس العادي و19 للمقاوم إثر تعرض مصنعين لأعطال في خطوط إنتاجهما، مما دفع مصنع ينبع إلى رفع حجم التغطية بنحو 220 ألف كيس يومياً لتهدئة السوق طبقاً لتصريح المدير العام لأسمنت ينبع الدكتور أحمد زقيل إلى "الوطن" بعد تسجيل الأسعار مستويات مرتفعة خلال الأيام القريبة الماضية. تداعيات جديدة وزادت حدة المخاوف من تداعيات جديدة في بقية مناطق المملكة بعد أن بات الطلب في الأسواق يقترب من حجم الإنتاج رغم وجود 14 مصنعا للأسمنت في المملكة، محذراً زقيل من أن الأزمة الحالية ستتكرر إن لم تتوصل الجهات المعنية إلى حل جذري يفي بمتطلبات السوق وإمكانيات المصانع لافتاً إلى أن الوضع يقترب مما وصفه "بالأزمة الكبرى". مشيراً إلى أن الحل يكمن في دخول التوسعات المخطط لها من المصانع الكبرى حيز العمل التجاري بأقرب فرصة وحصولها على الوقود، خاصة لخطوط حائل والجوفونجران وتهامة في مواعيدها لضمان إمداد الأسواق بالأسمنت لمواجهة نمو الطلب الطبيعي ونمو المشاريع الكبرى. وعن تباين المخزونات بين نمو في مصنع وتراجع حاد في آخر أكد زقيل أن المصانع كافة، تبحث عن الفرصة لبناء المخزونات للحفاظ على مواعيد الصيانة أو مواجهة الأعطال المفاجئة ولرفع مستوى المبيعات كإجراءات احترازية أو تجارية وفنية. مستعرضاً تجربة أسمنت ينبع في رفع المخزونات بأن ذلك يعود إلى عمل الخط الخامس ودخولها المجال التجاري مما ساعد المصنع على استغلال فرصة الإنتاج التجاري واستقرار الطلب خلال رمضان لتكوين المخزون الجيد وفقاً لمعايير توازن الطلب والعرض. وأوضح أن المصنع تمكن من بناء احتياطياته لتحقيق هدف ضخ السوق بالمعدلات الطبيعية لمدة 45 يوما على الأقل, مشدداً أن كل مصنع يبحث عن بناء الاحتياطي لأسباب تجارية وفنية ضروروية للغاية ولا يستخدم المخزونات إلا في الضرورة القصوى. دوامة الأسعار وبين زقيل أن تكاليف النقل ارتفعت مما ساهم في رفع السعر في الأسواق البعيدة أو التي لا تخضع للرقابة كما تلعب فترات الانتظار للشاحنات دورا في رفع تكاليف النقل، وهو الأمر الذي لا يحتاج إلى اجتهادات حيث ترحل تلك التكاليف للمستهلك، مؤكدا أن الضغوط على الناقلين ستتسبب في إخراجهم من السوق مما يدخل السوق في دوامة جديدة. وتابع قائلاً في منطقة كمنطقة مكةالمكرمة هناك مشروع للحرمين وتوسعة للمسجد الحرام والمطار الحديث وتوسعة المطار الحالي والمشاريع الحيوية الكبرى والمشاريع الإسكانية والخاصة ومشاريع التصريف وغيرها. مضيفاً كل هذه المشاريع تحتاج إلى كميات هائلة من الأسمنت في وقت متزامن ويفوق قدرة الشركات التي تعمل في المنطقة، وهو ما ينسحب على بقية المناطق في المملكة التي تعيش نهضة عمرانية وإنشائية غير مسبوقة على الإطلاق، وشكلت ضغطاً كبيراً ومستمراً على المصانع منذ 4 سنوات. وعن الحلول المقترحة أكد زقيل أن الأمر يتطلب توسعات المصانع الحالية والقادرة على بدء بناء خطوط إنتاج جديدة بشكل عاجل والحصول على ضمانات حكومية بمد التوسعات بالوقود اللازم لمواجهة طلب المشاريع الحكومية والخاصة. المصانع الأجنبية وعن دخول مصانع الأسمنت الأجنبية للسوق السعودي قال زقيل لا يمكن لمصانع خارجية أن تبيع الأسمنت بسعر يعد الأقل في العالم، فهي لا تستطيع الدخول للمنافسة لأسباب تجارية بحتة حيث يصعب نقل الأسمنت لبيعه بأسعار زهيدة من دولة منتجة على أخرى يرتفع فيها الاستهلاك. علاوة على تكاليف النقل من دولها إلى المملكة بالإضافة إلى أن تكاليف الإنتاج والتشغيل ستكون مرتفعة مقابل البيع بالأسعار الحالية، مما يؤكد صعوبة دخولها السوق، مشيراً إلى عقبة أخرى تتمثل في جاهزية الموانئ للتعامل مع الأسمنت السائب وتوريده إلى الأسواق السعودية. مباحثات دورية وعن مباحثات المصانع مع الوزارة المعنية أكد زقيل أن المصانع تقدمت بكافة ملفاتها إلى الوزارات سواء التجارة أو وزارة البترول والمعادن، وبحثت المصانع مع اللجنة المعنية بشؤونها مستجدات صناعة الأسمنت. مفيداً أن إشكاليات الأسمنت واضحة وتحتاج إلى إقرار موافقات بالتوسعات والحصول على الوقود لدعم الطلب المحلي خاصة أن المملكة تعمل على مشاريع حيوية في كل اتجاه وفي جميع مدن المملكة بلا استثناء مما يتطلب وجود الأسمنت بشكل أساسي. متطلعاً لدور أكبر للجهات الحكومية التي لديها مشاريع كبرى أو مشاريع البنى التحتية لبحث الحصول على الأسمنت. وعد زمني وعن جدولة المشاريع بنهاية العام حيث تعتمد الجهات الحكومية على نهاية العام كموعد زمني لانتهاء المشروع ككل أو أجزاء مفصلية فيه قال زقيل إن المشاريع تطرح لصالح الجهات المستفيدة سواء كانت حكومية أو خاصة بعضها يقيم آخر العام مثل مواعيد انتهاء المشروع مما يدفع المقاولين إلى العمل المكثف لإنهاء المشروع في موعده مما يشكل ضغطاً جديداً على المصانع لكون المقاولين يطلبون كميات كبيرة من الأسمنت لإنجاز مشاريعهم ضمن جداولها الزمنية. من جهته قال عضو مجلس الإدارة الرئيس التنفيذي لأسمنت الجنوبية سفر بن محمد ظفير في تصريح إلى "الوطن" إن نمو الطلب خلال العام الحالي وقبل نهايته بلغ 8% مما يشير إلى حركة متصاعدة ومستمرة حتى نهاية ديسمبر الحالي. مشيراً إلى أن التوقعات تشير إلى نمو أكبر خلال عام 2013 م، لافتاً إلى أن المبيعات في نوفمبر الماضي 4.4 ملايين طن مقابل 3.6 لشهر نوفمبر العام الماضي بارتفاع قدره 20%. وأضاف أن التوقعات تشير إلى زيادة المبيعات بنحو 4,5 ملايين طن وأن تتجاوز في العام الحالي 52 مليون طن مقارنة بالعام الماضي الذي حقق 48.7 مليون طن. مؤكداً أن المصانع تغذي مبيعاتها النامية من خلال المخزونات التي بنتها في الأعوام الماضية وقال إن إنتاج الكلنكر ل11 شهرا الماضية من العام الحالي بلغ 43.3 مليون طن مقابل 39 مليون طن العام الماضي كاملاً. وأبان أن الإحصائيات الموثوقة تؤكد أن صناعة الأسمنت ستواجه مصاعب كبيرة لمواجهة الطلب خلال ديسمبر الحالي أو العام المقبل بدءاً من الربع الأول. موقف مطلوب ولفت ظفير إلى أن الحلول تتطلب موقفا واضحا ومرنا لحماية جميع الأطراف بمن فيها المستهلك والمصنع والجهات الحكومية بالسماح بالتوسعات للمصانع القادرة حالياً مثل الجنوبية والشرقيةوالقصيم وينبع لوقاية الأسواق من أي اختلالات مستقبلية. وبين أن بدء تنفيذ 500 ألف وحدة سكنية في 37 مشروعا اعتباراً من العام المقبل بالإضافة إلى المشاريع المرتقبة التي ستعلن من الجهات الحكومية بعد إعلان الميزانية والمشاريع الخاصة للشركات الكبرى ومشاريع الإنشاء والبناء للمواطنين سترفع من حجم الطلب إلى مستويات قياسية. مشيرا إلى أن الفارق بين الاحتياطيات والإنتاج بدأ يسجل تراجعا حاداً حيث وصل إلى نحو 6.6 ملايين طن على أساس سنوي فيما المبيعات الشهرية تزيد عن 4.4 ملايين طن. وأوضح ظفير أن المصانع تسعى إلى رفع مخزوناتها للتغلب على التوقفات الاعتيادية والروتينية والصيانة الدورية ولمواجهة الأعطال المفاجئة. وقال إن بعض المصانع وصلت مخزوناتها إلى مراحل متدنية جداً لا تتجاوز 270 ألف طن مما سيخلق إشكاليات عند توقف المصنع لأي سبب. وذهب مسؤولون في عدة مصانع إلى التأكيد أن الاحتياطيات ستدخل مرحلة الانهيار إذا زادت نسبة نمو المشاريع للعام المقبل عن 5% من مشاريع العام الحالي لكون المصانع لا تستطيع الاستجابة لأي طلب يفوق قدراتها الإنتاجية والتخزينية الحالية حيث تعمل بأقصى قدراتها. وتأتي التراجعات الحادة في الكلنكر بسبب سحب المصانع المستمر من مخزوناتها لتغطية الطلب وضغوط الطلب المحلي الذي سيصل إلى أعلى وتيرة له في نهاية العام الحالي لإضافته إلى حجم الإنتاج من الطحن اليومي تحسباً لتسارع وتيرة الطلب خلال شهري ديسمبر الحالي ويناير المقبل. إحصائيات دقيقة وكشفت إحصائيات دقيقة تشمل أداء المصانع في نهاية نوفمبر الماضي تراجعا كبيرا لحجم المخزونات لأكبر المصانع مثل أسمنت اليمامة. حيث تراجع المخزون من 1.3 مليون طن إلى 486 ألف طن بنسبة تراجع 64 % فيما تراجع مخزون أسمنت السعودية من 2.1 مليون طن إلى 514 ألف طن بنسبة تراجع 76 % وتراجع مخزون أسمنت الشرقية من 442 ألفا إلى 351 ألف طن بنسبة تراجع 21% كما تراجع مخزون أسمنت الجنوبية من 1.2 مليون طن إلى نحو مليون طن بنسبة تراجع تمثل 16%، بالإضافة إلى تراجع مخزون أسمنت الرياض من 300 ألف إلى 261 ألف طن بنسبة 13% وتراجع أيضاً مخزون أسمنت تبوك من 335 إلى 306 آلاف طن بتراجع يقدر ب9%. فيما تمكنت مصانع أخرى من بناء احتياطيات جديدة لكنها مستويات ضعيفة حيث رفع أسمنت القصيم حجم المخزون من 178 ألفا إلى 426 ألف طن بنسبة نمو تمثل 139% وأسمنت ينبع رفع مخزونه من 331 إلى 690 ألف طن بنسبة نمو 108 %، وتمكن أسمنت العربية أيضا من رفع مخزونه من 266 إلى 410 آلاف طن بنسبة نمو 54 % بالإضافة إلى أسمنت نجران حيث نمت المخزونات بنسبة طفيفة بحدود 3% من416 ألفا إلى 423 ألف طن. وارتفعت مخزونات أسمنت المدينة من 356 ألفا إلى 478 ألف طن بنمو يعادل 34 % بالإضافة إلى أسمنت الشمالية حيث تضاعفت مخزوناته من 296 ألفا إلى 653 ألف طن بنسبة 121 % وأسمنت الجوف من479 ألفا إلى 555 ألف طن بنسبة نمو تمثل 16 %. وأظهرت البيانات النهائية تراجع المخزونات إجمالاً بنحو 19% مقارنة بالعام الماضي من نحو 8 ملايين إلى نحو 6.6 ملايين حيث بات يشكل تهديداً لصناعة الأسمنت. توقعات المصانع وفي ظل مخاوف شركات مصانع الأسمنت في المملكة من بوادر الأزمة الخانقة حذر رئيس اللجنة الوطنية لمصانع الأسمنت السعودية الدكتور زامل المقرن في تصريح إلى "الوطن" من تبعات بقاء توسعات المصانع دون حلول متوازنة لخدمة الاقتصاد السعودي. مؤكداً أن استمرار نمو المشاريع بنفس الوتيرة العالية خلال العام المقبل سيؤثر على قدرة المصانع وسيضع الأسواق في أزمات متلاحقة، مشيرا إلى أن المصانع قد تدخل في إشكاليات تتعلق بقدراتها الإنتاجية لسد حاجة السوق في حال استمر نمو الطلب بالوتيرة ذاتها. وأوضح أن معدلات المخزونات من الكلنكر وصلت إلى مستويات متدنية جدا، لافتا إلى أن المخزونات تراجعت بنسبة 50% خلال العام الحالي بسبب اضطرار المصانع إلى طحن الكلنكر باستمرار لمواجهة الطلب. لافتاً إلى أن المعدلات الحالية من إجمالي المخزونات في كافة المصانع العاملة في السوق السعودية وصلت إلى متسويات غير مرضية. وعن تمكن بعض المصانع من بناء احتياطيات لها أكد المقرن أنها كانت احتياطيات ضعيفة في السابق حيث لا تكفي إلا لتغطية الطلب لشهر واحد فقط. مفاهيم صناعية وشدد المقرن على أن المصانع تسعى للحفاظ على المخزونات الحالية للاستفادة منها عند حدوث الأعطال أو التوقفات المفاجئة لعمليات التصنيع أو المطاحن بناءً على مفاهيم صناعة الأسمنت في العالم، وأبان أن المصانع حاليا تعمل بأقصى قدراتها وإمكاناتها لمواجهة الطلب المرتفع، وعن الأسواق حالياً قال المقرن إن مستوى العرض والطلب خلال الشهر الحالي وحتى بدء أعمال مشاريع 2013 في مستوى جدي نوعاً ما لم ترتفع الطلبيات بوتيرة متسارعة أو حدوث أعطال مصنعية أو إجراء صيانة مستبعداً إجراء الصيانة في شهر ديسمبر كونه من أكثر الأشهر طلباً للأسمنت. مؤكداً أن الربع الأول والرابع من كل عام تشهد فيهما صناعة الأسمنت حراكاً هائلاً. وحول حجم القدرات الإنتاجية قال المقرن إن المصانع تتنافس بشدة لرفع إنتاجها إلى أعلى مستوياته لخفض التكلفة وزيادة حجم المبيعات وتنميتها وفقا للأسعار الحالية التي تعد أسعارا عادلة بالاعتماد على طحن الأسمنت وبيعه وفق مستويات الطلب في السوق لتجنب سحب المخزون، مضيفا أن المصانع باتت تعتمد على الطحن لإمداد السوق بالكميات المطلوبة. وتابع قائلا "إن المصانع تعمل على جدولة صيانتها اللازمة في الأوقات التي يقل فيها الطلب لإبقاء التوازن في السوق. تقديرات مقبلة وعن التقديرات للأشهر الثلاثة المقبلة قال إن المؤشرات جيدة لكنها قد تختلف لاعتبارات أهمها أن جميع المصانع في حالة ترقب للموازنة العامة للعام المقبل ودراسة حجم الطلب الفعلي فيها بناء على حجم الإنفاق على المشاريع مما سيكشف نسب النمو في طلب منتجات القطاع الأسمنتي. وعن جدية المصانع في التقيد بالأسعار المحددة واختلاف الأسعار من سوق إلى آخر أوضح المقرن أن الأسعار ثابتة ولم يطرأ عليها تغيير، مؤكدا أن كيس الأسمنت العادي ب12 ريالا، تسليم المصنع، والمقاوم ب13 ريالا، مشيرا إلى أن الأسعار في الأسواق حسب البيانات اليومية 14 ريالا للعادي و15 ريالا للمقاوم، مفصحا عن أن ارتفاع السعر في بعض الأسواق الشرقية، يعود إلى كونه حالات فردية من بعض العمالة يمكن السيطرة عليها بالتوجه للتعامل مع الأسواق الرئيسية مباشرة.