لم يكن "التغيير" بكل أشكاله الذي ينشده المثقف العربي عادة في جميع طروحاته وكتاباته، المحور الأكبر للنقاش في المحاضرة التي ألقاها الكاتب شتيوي الغيثي، مساء أول من أمس، ضمن أنشطة نادي نجران الأدبي، على الرغم من عنوان المحاضرة "المثقف وسؤال التغيير". حيث انصبت معظم النقاشات والمداخلات المصاحبة للمحاضرة حول تأثير تصنيف المثقف العربي إلى "مثقف معارض" و"مثقف سلطة وموالاة"، على ما دور المثقف العربي في الأحداث والمتغيرات الحالية؟، حيث اعتبر بعض الحاضرين هذا التصنيف سببا جوهريا لانكفاء الكثير من المثقفين العرب على ذواتهم، وعدم طرح رؤاهم بكل صراحة، خوفا من أن يصبحوا محسوبين على طرف سياسي ضد آخر. وكانت المحاضرة التي أدارها صالح القطامي، بدأت بمحاولة الغيثي تحديد مفهوم معين للمثقف الذي يعنيه، وذلك من خلال الاستشهاد ببعض آراء المفكرين الغربيين والعرب. ثم انطلق للحديث عن أزمة المثقف العربي حاليا مع مفاهيم "التغيير" التي تطغى على كل المجالات، قائلا: "في الوقت الذي كان يعمل فيه المثقف على تغيير الواقع يفاجأ بأن الواقع يتغير على غير الطريق الذي كان يمهده من أجله، ولذلك نرى بعض المثقفين وقفوا ضد تلك التغيرات؛ لأنها خالفت ما كان يعمل عليه منذ عقود طويلة، فضلا عن أولئك الذين كانوا ضمن دائرة السلطة، ممن هم على استعداد في تبرير أي تصرف يتصرفه السياسي من أجل مصالح نفعية بين الاثنين، فيكون المثقف هنا أداة ثقافية بيد السلطة. وتحدث الغيثي عن تأثير الأيديولوجيا في مفهوم "التغيير" لدى المثقف العربي والتباسهما ببعض، حيث أكد أن "التغيير في فكر بعض المثقفين هو عملية انخراط في الأيديولوجيا الفكرية ومحاولات تبيئتها في المجتمع العربي، مع أنها تحمل سياقات مختلفة عن السياقات العربية وظروفها السياسية والاجتماعية، كما أن هناك الكثير من التجاهل التاريخي للمعطيات الحاضرة بين هذه الأيديولوجيات جميعها، بمعنى أن الرؤية التاريخية كانت غائبة سواء في استجلاب المكوّن الحضاري الغربي، أو حتى إعادة استلهام المكوّن الثقافي العربي". وبعد أن مهد الغيثي بشرح مشكلة تلبس الأيديولوجيا بمفهوم التغيير، حاول تشخيص تأثيرها على شخصية المثقف بقوله: "تصور المثقف لذاته كمالك للحقيقة جنح به إلى الوصاية الفكرية على المجتمع" مضيفا "إشكالية المثقف كسلوك، تتمثل في أكثر من جانب، منها: ثقافة التدجين، والاتجار الثقافي، والمراوغة الثقافية، والتبريرية الاستبدادية، والثقافة المقاولاتية، والاجترارية الفكرية، والانهزامية، أو الانكفاء التكنوقراطي، سعيا وراء الرزق أو الجاه كما يقول الباحث محمود عبدالفضيل". وشهدت المحاضرات مداخلات عديدة منها انتقاد لاستخدام المحاضر مصطلحات مثل "إسلامي وليبرالي"، حيث رأى المنتقدون أنها "تعزز الفرقة في المجتمع"، وهو ما نفاه المحاضر قائلا "هي مجرد توصيفات منهجية لدراسة أي ظاهرة فكرية". وأكد أن المجتمع أصبح "أكثر وعيا بالمدلول العلمي لها، والقليل جدا من يصنف الناس عقائديا بناء عليها".