يقول تقرير نشرته مؤسسة "بروكنجز" إن الإعلان الدستوري وحزمة القرارات المرافقة التي أعلنها الرئيس المصري محمد مرسي استهدفت تطهير القضاء والنيابة العامة من عناصر النظام السابق، وإعادة محاكمات قيادات أمن النظام السابق، ومنح حزمة من المعاشات لأهالي شهداء ومصابي مواجهات الثمانية عشر يوماً التي أسقطت حسني مبارك، وكذلك مواجهات محمد محمود الأولى التي أتت لتحديد موعد تنحي العسكر والانتخابات الرئاسية، ومواجهات ماسبيرو مع القوى المسيحية، ومواجهات مجلس الوزراء مع بعض القوى الثورية، وغيرها. لكن القوى المعارضة للرئيس ترى أن ثمن "التطهير" غالٍ، وأن الإعلان الدستوري والقرارات المرافقة لاستبداد الرئيس، الذي يجمع ما بين الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، ويعطيه الإعلان الدستوري حق نقض السُلطة القضائية لحين كتابة الدستور وانتخاب مجلس للشعب. كما أن القرارات ستؤدي لسيطرة الإخوان المسلمين على الحياة السياسية المصرية. وقد أيد غالبية الإسلاميين قرارات الرئيس وعارضها غالبية العلمانيين. لكن القرارات أججت استقطاباً يعصف بالمشهد السياسي المصري، وهناك خشية أن يؤدي ذلك إلى تصادم في الشارع بين الأجنحة الراديكالية في كلا المعسكرين. أسباب ومسببات هناك عدة أسباب لإصدار الإعلان والقرارات. الرئيس يريد مثلاً تحييد سُلطات مجموعة من القضاة في المحكمة الدستورية العليا دأبوا على وأد المؤسسات المنتخبة، وأولاها كان مجلس الشعب، وفي الأغلب سيليه مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، وهو ما سيُدخل البلاد في دائرة مفرغة. سبب آخر هو انعدام القدرة على محاسبة قتلة الثوار والمتورطين في جرائم التعذيب، وفشل النائب العام في كل القضايا المتعلقة بذلك، باستثناء حالة حبيب العادلي وزير داخلية مبارك. وحيث إن أغلب الضحايا كانوا من الثوريين وخاصة الإسلاميين منهم، وحيث إن الرئيس انتخب بأغلبية ضئيلة (51.7 %) فقد كان لزاماً عليه أن يكون حساساً لمن أتى له بتلك الأغلبية، وأن يتخذ قرارات تضمن العدالة والقصاص لشهداء الثورة. وبغض النظر عن الأسباب الدافعة للرئيس، فإن مُناخ انعدام الثقة فيه وفي حركة الإخوان المسلمين من قِبل قوى المعارضة لن يسمح بمرور هذه القرارات بسهولة، وخاصة مواد كالمادة السادسة من الإعلان الدستوري التي تتيح للرئيس "إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها، أن يتخذ الإجراءات والتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر على النحو الذي ينظمه القانون"، وهي المادة التي تذكر بقانون الطوارئ السيئ السمعة. هل كانت أمام الرئيس بدائل أخرى؟ يقول بعض المراقبين إن البديل الأوضح كان إصدار الرئيس قانوناً للسُلطة القضائية تتيح مواده تطهير القضاء والنيابة العامة. والبديل الآخر هو تعديل بعض بنود الإعلان الدستوري، وخاصة المادتين الثانية والسادسة، والنص في التعديلات على أن النائب العام الذي عينه الرئيس هو نائب مؤقت لحين الانتهاء من كتابة الدستور، ثم يتم اختيار نائب عام جديد من قِبَل المجلس الأعلى للقضاء. ولكن إن لم يحصن الرئيس قراراته من المحكمة الدستورية، فإن احتمالات الطعن على قراراته ومن ثَمّ الحُكم بعدم دستوريتها ستكون عالية، وبالتالي الدخول مجدداً في الدائرة المفرغة. وذلك في الأغلب سبب إصدار المادة الثانية من الإعلان الدستوري. أخيراً، ورغم شرعيته الدستورية، فقد اختار الرئيس طريقاً ثورياً بصلاحيات شبه مطلقة، ونجاحه عبر هذا الطريق الوعر سيؤدي إلى تطهيرٍ في الأغلب، واستبدادٍ في الأسوأ. ولكن فشله سيؤدي لإضعافه في الأغلب، ومواجهات دامية في الأسوأ. وسيكون هذا هو أحد الاختبارات الصعبة لكل من رئاسة محمد مرسي والتحول الديموقراطي في مصر على حد سواء.