نظمت المعارضة المصرية مسيرة مساء أمس إلى القصر الرئاسي احتجاجا على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي ويمنحه صلاحيات تجعل منه "ديكتاتورا"، وأيضا على مشروع الدستور الجديد الذي سيطرح في استفتاء شعبي بعد نحو عشرة أيام. ودعت أحزاب ومجموعات معارضة المصريين إلى التجمع في مختلف أنحاء العاصمة ثم التوجه إلى قصر الاتحادية في ضاحية مصر الجديدة، الذي جعلت منه القوى الأمنية قلعة يصعب الوصول إليها، في تظاهرة أطلق عليها "الإنذار الأخير". واستخدمت قوات مكافحة الشغب المصرية مساء أمس الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين الذين كانوا يحاولون الاقتراب من قصر الرئاسة في ضاحية مصر الجديدة بالقاهرة. وقطع المتظاهرون حاجز الأسلاك الشائكة الذي أقيم على بضعة أمتار من القصر في طريقهم للتقدم نحوه، مما دفع قوات الشرطة التي تحميه إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع، وعلى الإثر تراجعت الشرطة سامحة للمتظاهرين بالاقتراب من القصر، مما اضطر مرسي لمغادرته. وتشهد مصر أزمة سياسية حادة تمزق البلاد منذ أن أصدر مرسي إعلانه الرئاسي في 22 نوفمبر الذي منحه سلطات شبه مطلقة مع تحصين قرارته وكذلك الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، التي يهيمن عليها الإسلاميون، من أي ملاحقة قضائية. وأثار إعلان مرسي أزمة سياسية خطيرة أدت إلى تعبئة كبيرة في الشارع لمعارضيه من القوى الوطنية والليبرالية، وأيضا لأنصاره في جماعة "الإخوان المسلمون"، التي ينتمي إليها، والأحزاب السلفية المتحالفة معها. وعمق الإعلان عن الاستفتاء على الدستور في 15 ديسمبر الحالي الخلاف بين المعسكرين. ويؤكد مرسي أن مرسومه "مؤقت" ويرمي إلى تسريع الإصلاحات الدستورية. لكن المعارضة ترى أنه منح نفسه بموجبه سلطات "ديكتاتورية" وتطالب بإلغاء هذا الإعلان، وكذلك الاستفتاء على مسودة الدستور الجديد الذي ترى أنه لا يضمن بعض الحقوق الأساسية على غرار حرية التعبير ويفتح الطريق أمام تطبيق أكثر صرامة للشريعة. وأكد الأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الذي انسحب من الجمعية التأسيسية في مؤتمر صحافي أن النص لا يضمن الحريات التي ينبغي ضمانها في القرن الحادي والعشرين. وقال "ينبغي أن يسهل الدستور حياة المصريين، وأن لا يكون أمرا يتطلب تفسيرات صعبة ويثير مخاوف الناس. نحن في القرن الحادي والعشرين". وتساءل المحلل السياسي حسن نافعة "هل ستقبل مصر بأن تفرض مجموعة دستورها؟". وتشهد السلطة القضائية انقساما كبيرا شأنها شان باقي البلاد بعد أن منعها الرئيس من الطعن في قراراته. من جانبه،هدَّد رئيس حزب الدستور محمد البرادعي باللجوء إلى العنف إذا لم يتراجع مرسي والتيار الإسلامي عن عرض الدستور للاستفتاء، وانتقد في مقال نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية القوات المسلحة المصرية وحملها مسؤولية إفساد المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير لأنها سمحت بإجراء الانتخابات البرلمانية التي أسفرت عن فوز الإسلاميين بأغلبية ساحقة. وقرر مجلس القضاء الأعلى، أعلى هيئة قضائية في البلاد، الاثنين توكيل قضاة للإشراف على الاستفتاء بالرغم من دعوة نادي قضاة مصر إلى مقاطعة الإشراف على هذا الاستفتاء ما يفتح المجال لتنظيمه. ويفترض في الواقع أن تجري الانتخابات بإشراف قضائي في مصر. وكان نادي القضاة المصري، وهو بمثابة نقابة مهنية للقضاة في مختلف أنحاء البلاد، أعلن الأحد الماضي أنه سيقاطع الاستفتاء. كما انضمت المحكمة الدستورية العليا إلى محكمة النقض وغيرها من المحاكم في إضراب مفتوح تنديدا "بضغوط" المعسكر الإسلامي.