ذُكرت الابتسامة في كتاب الله الكريم في معرض الحديث عن قصة النبي سليمان عليه السلام مع النملة في قوله تعالى (فتبسَّم ضاحكاً من قولها)، وفي الحديث الذي رواه أبو ذر رضي الله عنه عن نبينا صلى الله عليه وسلم قوله: "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة"، وحديث: "لا تحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلق".. فهذا دليلٌ على أهمية وفضل الابتسامة ومكانتها في الدين الإسلامي الحنيف. هناك دور كبير وتأثيرٌ بالغ تلعبه الابتسامة في مُجريات الأمور التي تحصل في حياتنا اليومية سواء للمُبتسم نفسه أو للشخص الذي تتم الابتسامة له، وقد أثبتت الكثير من الدراسات والبحوث العلمية والنفسية والطبية التي أجراها الكثير من الأطباء وعلماء النفس والباحثين وغيرهم أن الشخص الذي يبتسم هو أكثر الناس سعادة وأكثرهم ثقةً بنفسه، وأكثرهم قدرةً على إقناع الآخرين بآرآئه، وكذلك أكثرهم جاذبية من غيره، وأن الابتسامة سببٌ مهم ورئيسي من أسباب السعادة والنجاح بإذن الله لما لها من تأثيرات نفسية مباشرة، فهي تبعث بإشاراتٍ داخلية للمخ تؤدي بدورها إلى التأثير على سيكولوجية المتلقي لتلك الابتسامة على اختلاف الأوضاع التي تكون حصلت من أجلها تلك الابتسامة، لذلك صُنّفت بأنها من أرقّ اللغات وأكثرها تأثيرا، وهي التي تُدخل الفرح والسرور والبهجة إلى القلب، وهي أيضاً مفتاحٌ للقلوب وطريقٌ للعقول، تبعث برسائل الطمأنينة والإخلاص والحُب في كثير من الأحيان.. سحرها يحوِّل الغضب إلى رضا وهدوء، والحُزن إلى فرح، والدمعة إلى ضحكة، والتوتر إلى سكينة، وبها تسود روح الأُلفة والمحبة والتعاون بين أفراد المجتمع. للابتسامة أنواعٌ كثيرة وأوضاع مختلفة، التي على أساسها تتكون، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر أبرزها وأكثرها شيوعاً وانتشارا: فأول أنواعها هو تلك الابتسامة التي تكون في لحظات الفرح والسرور والمحبة والرضا والقناعة والتواضع والخجل، وهي التي يُطلق عليها (الابتسامة البيضاء)، وهي من أصدق وأجل وأسمى أنواع الابتسامة، أما النوع الثاني فهو ابتسامة السُخرية والاستهزاء والتكبُّر والخُبث والمكر والخديعة والكذب، وهي التي تُسمى (الابتسامة الصفراء)، أما النوع الثالث فهو ابتسامة التعجُب والدهشة والاستنكار وعدم الرضا أو الغضب، وهي التي يطلق عليها (الابتسامة القاتمة أو السوداء)، وهناك الكثير من أنواع الابتسامة التي عدّدها وبينها الباحثون وعلماء النفس والطب بما يزيد على العشرين نوعاً من الابتسامات المختلفة، التي لها فوائدها الصحية والطبية المتعددة للجسم، حيث إنها تساعد على تخفيف ضغط الدم وتنشيط الدورة الدموية وتقوية جهاز المناعة لدى جسم الإنسان، كذلك تحافظ على وجود نسبة كافية من الأوكسجين في الدم والمُخ وتحافظ على توازن وتدفق الدورة الدموية في الجسم، ومن فوائدها المعروفة أنها تساعد على تخفيف نسبة الحموضة في المعدة، وتُزيل التوتر والصداع وتقي القلب من أمراض الأرق والقلق والكآبة، وتحمي من تجاعيد الوجه المبكرة وغيرها الكثير من الفوائد الصحيّة، ولا يخفى على الكثير منا مدى تأثير الابتسامة على ميادين الحياة الأخرى كالتجارة أو الاقتصاد حيث إنها من أفضل وأنجح أساليب التسويق والبيع، فهناك مثلٌ أو حِكمةٌ صينيةٌ قديمة مُتداولة تقول: "إن من لا يُحسن الابتسامة لا ينبغي له أن يفتح متجرا"، وذلك لما لها من دورٍ كبير وفعّال ومؤثر في نفسية المُشتري أو المتسوّق وتؤدي إلى التأثير إيجابياً على قراره في الشراء، بل تعدى تأثير الابتسامة مجال الاقتصاد حيث أثبتت دورها الفعَّال والمؤثر في السياسة وعالم الدبلوماسية، فهي السفير الأمثل والطريق الصحيح لكسر الحواجز بين الدول وكسب قلوب الشعوب وامتصاص غضبها، وهي العنوان الكبير للبداية السليمة والصحيحة لتحقيق السلام والأمن متى ما كانت صادقة ونابعة من القلب والضمير الإنساني الحي. ينبغي علينا إشاعة ونشر الابتسامة الصادقة بيننا، وأن نحث على تطبيقها فعليّاً تأسّياً بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، من أجل نشر المحبة والمبادئ السليمة من تسامح وتراحم وتعاطف في مجتمعنا، وأن تكون شعاراً للحوار وأسلوباً للتخاطب الذي على أساسه يتم التفاهم وبه يتم حل الخلاف وبمضمونه يكون التعاون والتلاحم.